في عصرٍ أصبح فيه العالم بين أيدينا بلمسة شاشة برزت "العزلة الرقمية". ورغم أن التكنولوجيا قد قرّبت المسافات، ويسّرت التواصل، إلا أنها حملت معها جانبًا خفيًا من الوحدة والانفصال الاجتماعي. العزلة الرقمية هي حالة انسحاب الأفراد من التفاعل الاجتماعي الحقيقي لصالح العالم الافتراضي ممّا يؤثر تدريجيًا على حياتهم النفسية والاجتماعية. ينشأ هذا النوع من العزلة عندما يغرق الشخص في استخدام الأجهزة الذكية ومنصّات التواصل الاجتماعي، أو الألعاب الإلكترونية لدرجة أنه يهمل العلاقات الواقعية. وفي الحقيقة يبدو الأمر مجرد ترفيه، أو وسيلة للهروب من الضغوط اليومية، لكن مع مرور الوقت، تتحول العادة إلى نمط حياة، حيث يبعد الفرد عن التفاعل الإنساني الطبيعي. هذا الانفصال قد يؤدي إلى تراجع مهارات التواصل، وضعف الروابط الأسرية، وأحيانًا الشعور العميق بالوحدة. إن تأثير العزلة الرقمية لا يقتصر فقط على الجانب الاجتماعي، بل يمتد أيضًا إلى الصحة النفسية، حيث أن الارتباط بالواقع الافتراضي، يتسبَّب بارتفاع معدلات الاكتئاب والقلق بين جميع أفراد المجتمع، كما أنه يتزايد الشعور بالحاجة إلى التواجد الرقمي باستمرار مع مقارنة النفس مع الآخرين عبر المنصَّات الاجتماعية، وهذا ما يعزِّز الإحساس بالنقص وعدم الرضا عن الذات. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن التكنولوجيا تقدم فوائد هائلة إذا تم استخدامها بوعي. والحل يكمن في تحقيق توازن صحي بين العالم الرقمي والعالم الواقعي، و تخصيص أوقات للقاءات العائلية والأنشطة الاجتماعية، وأن تحديد أوقات محددة لاستخدام الأجهزة، يمكن أن يساعد في التقليل من آثار العزلة الرقمية. و بلا شك أن العزلة الرقمية، تذكير قوي بأن الإنسان بطبيعته كائن اجتماعي يحتاج إلى التواصل الحقيقي. مهما تطورت الوسائل، ستبقى العلاقات الإنسانية المباشرة أساس الصحة النفسية والاجتماعية، والواجب علينا أن نستخدم التكنولوجيا كوسيلة تعزِّز هذه العلاقات لا أن تعيقها.