إساءة استخدام مفهوم الحريّة هو من أكبر البواعث على انتشار الفوضى والفساد، وغياب الضوابط المادية والمعنوية للحريات؛ يجعل من ممارسة الحريّة أمراً يشبه الحرب الشعواء فيكون البقاء للأقوى، والحرية الغالبة هي حرية صاحب القوة والنّفوذ وتنتفي هذه الصّفة عن عامّة النّاس. فمثلاً إذا أعطى شخصٌ لنفسه الحق في أن يُخالف قوانين السَّير لأنه حرّ؛ فلن نتوقع شيئاً غير كثير من الحوادث المرورية، وإذا قرر شخصٌ -لأنّه حرّ- أن يضرب ما شاء من النّاس، فسصيبح لدينا نهر دماء لا ينتهي، لأنّ المضروب أيضاً حرّ وله حق الرّد، وإذا اعتبرت الشتائم وسوء الظن والتكفير والتشكيك بوطنية الناس حريّة، فحتماً سينشأ مجتمع محتقن جاهز للانتقام في كل لحظة بحجة الحريّة. ومن المهم أن يعلم الجميع أنّ الحرية لا تعني الانفلات والانحلال والخلاعة؛ فالحرية هي قيمة إنسانية سامية أساسها: «الإرادة» و«الأمانة» و«الاختيار» و«المسؤولية»، يقول جورج برنارد شو: «الحرية تعني المسؤولية، ولهذا يخافها معظم الناس»، فكل إنسان مسؤول عن نفسه أمام المجتمع وأمام القانون وأمام الشرع، وليعلم بعض ممن يتوجسون من لفظة الحرية أنه لا يوجد في العالم أحد يدعو لحرية مطلقة، فمن الحرية احترام الحرية. الحريّة تمنحك الحق في أن تناقش وتحاور وتنتقد وتوضّح وتفسّر وتحلّل، ولكن لا تمنحك الحق في السب والشتم وسوء الظن وتفسير النيات وبذاءة اللفظ والفجور في الخصومة والتجسس واستباحة الدم وتصنيف الناس. الحريّة تمنحك الحق في أن تتكلم؛ ولكن تمنح الآخرين الحق في ألا يستمعوا إليك، وليس من حقك إجبارهم على ذلك. ومن ممارسات الحريّة المهمة هي أن عدم التأييد لا يعني المعارضة، وعدم الاتباع لا يعني الرفض، وعدم المحبة لا يعني الكُره والبغض. يقول إريك هوفر: «التطلع إلى الحرية أكثر مظاهر الإنسانية التصاقا بالإنسانية». ويقول ألبير كامو: «ليست الحرية سوى فرصة ليكون المرء أفضل».