عندما تشعر المجتمعات بالهزيمة فإنها تتعلق بأي شيء حتى وإن كانت خرافة مصنوعة من شعارات خرقاء وأحلامِ جوفاء، الفرنسيون وجدو حلاً لمعضلاتهم فأوجدوا المقاهي الفلسفية ليناقش المجتمع ونخبه همومهم وقضاياهم بعيداً عن ضوضاء الحياة وصراع التيارات الذي لا ينتهي أبداً، وهي مقاه يلتقي فيها الفلاسفة والنخب وعامة المجتمع يضعون حالهم وحال بلادهم نصب أعينهم ويعملون على إذابة الجمود وتحريك العقول لعل وعسى يشع النور ويختفي الظلام، أحد أولئك الفلاسفة اسمه «سوتيه» اختار مقهى الفنار مكاناً للنقاشات الفكرية والفلسفية والسياسية فكانت بداية جدية لولادة المقاهي الفلسفية بكافة المدن الفرنسية، فالنموذج لم يعد واحداً بل أصبح وأمسى بالمئات على امتداد فرنسا. الفلسفة ولدت من الشارع وإليه تعود منذ 25 قرناً وسقراط وتلميذه أفلاطون وتلميذ تلميذه أرسطو كانوا يمشون في الطرقات يتكلمون يناقشون ويتناقشون يسحقون الغباء بكلماتٍ رنانة، يضربون الرؤوس بمطرقة التساؤلات ويفتحون القلوب بمفاتيح المعرفة، كم من الوقت نحتاج نحن معشر العرب والخليج ليختفي الظلام والتعصب والتقديس الأعمى للآراء والتبعية المعلبة، كم من الوقت نحتاج لإنارة الحياة وقبل الحياة إنارة العقول وإثارتها على بعضها بعضا من أجل إيقاظ النائمين في المعابد الجالسين في الوراء الحالمين المؤمنين بالخرافات، كم من الوقت نحتاج ليشع النور ويختفي الظلام ويتسيد المشهد العقل والمنطق ويتوارى النقل والتناقل والغباء والجهل المركب، كم نحتاج من الوقت لكي تدخل لمناهجنا الفلسفة والمنطق ويتحول تعليمنا العربي والخليجي لتعليمٍ يفجر الأسئلة لا يقتلها بدمٍ بارد.