قال سقراط الفيلسوف مودعاً أصدقاءه قُبيل إعدامه: «لا تحزنوا يا أصدقائي ولا تبتئسوا.. وحين توسدونني قبري، اعلموا أنكم تدفنون جسدي وحده دون روحي» وقد مر الآن على موت سقراط ما يقارب ال 3000 عام.. فهل مات سقراط؟ هل مات الفيلسوف اليوناني العظيم الذي دفع العالم لتقسيم تاريخ الفلسفة إلى مرحلتين، مرحلة ما قبل سقراط، ومرحلة ما بعده! علاوةً على ذلك فهو الفيلسوف الأكثر تواضعاً أيضاً، الذي أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض كما يقول عنه الفيلسوف شيشرون. حيث كان يقضي معظم وقته مع الناس الذين يلتقيهم في الشارع أو ساحة السوق، مدعياً أن مهمته كما القابلة التي تولد النساء، فليست هي التي تضع المولود ولكنها تقدم مساعدتها ليخرج حياً، كذلك كان يفعل لتوليد العقول لأفكار سليمة، وكان يكرر عادة: «إنه ليس بإمكان الأشجار في الجبل أن تعلمني شيئاً». لم يترك سقراط خلفه أي مؤلفات، ولم يخط سطراً واحداً، ولكن تُخمة كُتب تلاميذه وأصدقائه بتعاليمه وحواراته وتاريخ عريض ممن تأثروا به واتبعوا نهجه، فهل يستطيع الموت أن يقضي على حياة شخص مثل سقراط؟ وهل يموت الإنسان لمجرد انفصال روحه عن جسده؟ أم أن هناك امتداداً للحياة بشكل مختلف بعد الموت! لقد كان سقراط محقاً في مسألة بقاء روحه، إن سقراط وغيره ممن خلّد التاريخ أسماءهم.. قد وارى أجسادهم الثرى وغدت رُفاتا، لكن أرواحهم النيّرة مازالت تحوم في آفاقنا وتبرهن على استمرارية الحياة حتى بعد الموت، فقد وضع هؤلاء ضمائرهم والبحث عن الحقيقة في موقع أهم وأعلى من حياتهم، راغبين في ذلك الخير والنفع للناس، غير راغبين في عرض من أعراض الدنيا، فكان جزاؤهم من جنس عملهم. واليوم وبينما نحن لا نزال على قيد الحياة، بيد كل فرد منا الاختيار لحياته، إما الفناء وإما الخلود. وكما كان يقول شكسبير في مقولته الشهيرة «أكون أو لا أكون؟»، وما أجمل أن تكون وتُخلد، ويعمَ نفعك وخيرك وتمتد حياتك لأبعد من عمرك.