عزمت ابنة الفيلسوف دومينيك جان كيود أن تتلقى بعض الدروس في الفلسفة بالمدرسة، الأب الذي لا يعجبه ما يدرس في المناهج قرر أن يكتب لها كتابا صغيرا سلسا يساعدها على فهم الفلسفة بطرق مبتكرة وخلاقة، هذا الكتاب بعد ذلك أصبح عنوانه: «دليل أول للفلسفة» لم يعد لابنته، بل أصبح للجمهور وليصبح» معجزة صغيرة، كما يقول مترجم الكتاب إلى سايمون كريتشيلي ويضيف: «وعلى الرغم من إيجازه إلا أن الكتاب يتناول عدد كبير من المواضيع والفلاسفة، رحلة عقلية عرض خلالها دومينيك عرض فيها الإشكاليات التي احتلت عقول المفكريين لسنوات طويلة مثل معنى الحياة، وطبيعة الإنسان، السعادة، سؤال الحرية». على الرغم من ان الكتاب يتناول أفكار وسيرة بعض كبار الفلاسفة ويدعو للتفكر بها وفهمها من أجل أن نصعد بالوعي للأعلى كما يقول إلا أنه منذ البداية يعطي الدرس الأول للفسلفة التي لا تقدس حتى عظمائها عندما يقول في المقال الأول أن الفلسفة لا يوجد لها طقوس ولا تتطلب انضمام إلى جماعات. كما أنها تضاد بشكل أساسي الأوصياء على الفكر لذا يقول دومينيك انه يجب الشك في كلام استاذ الفلسفة الذي ليس قسا يبشر بخلاص الشخص من الشرور والذنوب ولا يضع له القمر بين يديه، على العكس من ذلك فإن يجب الشك والحذر من يقوم لك بذلك ولذا ينصح بالحذر من المعلمين والحراس والاوصياء، ويتحدث الكاتب على القراءة أو دراسة الفلسفة هي تختلف عن دراسة المجالات الأخرى التي تتوقع في الغالب ما ستتلقى من معارف، بعكس الفلسفة التي تتميز بمثل هذا الموقف الغريب والفريد بذات الوقت. في موضوع آخر يتحدث المؤلف عن التفكير النقدي الذي يقول إنه أصبح جزءا أساسيا في الحياة المعاصرة سواء على مستوى الاقتصاد والسياسة والتنظيم الاجتماعي وذلك من اجل التقدم. فقط الدول التسلطيه هي من يعارض الحس النقدي لأنها تسيطر على الحياة بأكلمها ولا تفسح مجال للسؤال والتصحيح. وفي مثل هذه المجتمعات التي يسعى فيها الناس للحياة فقط يصبح التفكير النقدي مجرد رفاهية بلا معنى. وهذا ما يفسر الغياب الكبير لروح النقد في المجتمعات القديمة والتقليدية المحكومة من قبل المستبدين المسيطرين أو رجال الدين حيث يصبح الناس تابعين لحاجاتهم وطقوسهم. ويتطرق بعد ذلك إلى مجموعة من أهم الفلاسفة متذكرا قول الفيلسوف هيغل: «تاريخ الفلسفة أشبه بمتحف للعقول العظيمة التي شرفت الإنسانية» ليعقب بعد ذلك على الفور بالقول: «لنأمل أن ما قاله صحيح!!». هذه الطريقة التي يعتمدها والتي لا تعتمد التقديس مرهقة ومتعبة. فما أن ترتاح وتثق بكلام أحد الفلاسفة حتى يرجع ليقوم بالاعتراض عليه بكلام آخر، ولكن هذا العداء للوثوق حتى بالأسماء الكبيرة هو أحد أهم الدروس التي يأمل المؤلف للقراء وهي واحدة من أهم الفوائد التي تخرج منها في هذا الكتاب. لفترة طويلة اعتبر أفلاطون هو المؤسس الحقيقي للفلسفة ولكن هذا لم يعد صحيحا، حتى سقراط نفسه لا يوصف بهذا اللقب . يعود المؤلف إلى القرن السادس قبل الميلاد وتحديدا عند هيراكليتس (اشتهر بأفكاره المقصولة وعرف بغروره وازدرائه الناس) وبارمنيدس (الذي كان ينظر إليه أفلاطون كأب) من المؤسسين للفلسفة، أما بالنسبة لسقراط فيقول عنه الكاتب: «سقراط هو أول من انخرط مع الجماهير ومارس حوار الاختلاف الذي عرف بالجدل. قبل سقراط لا يوجد حكيم تمكن من الوصول لذلك»، لسقراط الذي عرف بجدالاته وأسئلته التي تستلم إلى الاجابات النهائية والذي دفع حياته ثمنها مقولة جميلة هي: «حياة بدون سؤال لا تستحق العيش». يتناول بعد ذلك أهم القضايا التي تمحورت حولها الفلسفة مثل التعرف على معنى السعادة وطبيعة الرغبات، من خلال ذلك يمكن لنا التعرف على انفسنا بشكل أفضل بدون الوصول إلى معنى نهائي ومثالي، ربما هذا الأمر الجيد في ذلك لأن بحث الإنسان عن المثالية يحفزه دائما للأفضل، بحثا عن السعادة اختلف الفلاسفة بين نظرتهم لها، أحدهم وصفها بشكل سلبي بأنها تعني غياب المعاناة. وللفيلسوف كانط رأي فيه يقول إن السعادة يجب أن لا تكون مطلبا عقلانيا أو أخلاقيا ويجب أن نلتزم بواجباتنا من دون البحث عن مكافآت السعادة التي قد تأتي وقد لا تأتي، أما ماذا عن الرغبات التي تحرك الإنسان من الداخل، يقدر دومينيك ما كشفه مؤسس علم النفس فرويد عن دور الجنس واللاوعي في تركيبة الانسان (من آراء فرويد الجميلة قوله: يجب أن نسعى من أجل الوضوح من دون أن نخدع أنفسنا أن وعينا قادر على أن يكشف عن أعمق الحيل داخل شخصايتنا) ولكنه يقدر أكثر رؤية هيغل في رغبة الانسان العميقة في البحث عن الاحترام والاعتراف من الآخرين، هيغل يعتبر رغبة الانسان تتجاوز الاحتياجات الطبيعية في الأكل والشرب ولكنه يرغب في الاحترام والاعتراف فرغبة الإنسان بلا حدود .أنها تريد ان تكون المطلوب اللانهائي. يقول المؤلف حول أهمية البحث الداخلي: «هل نحن مهتمين فعلا لمعرفة من هم نحن؟!، هل نعرف ماذا يتوقع الآخرون منا؟ الكفاح من أجل من الاحترام والاعتراف من دون نهاية لأن رغباتنا رهينة لاوعينا، نحتاج إلى فهمم أفضل لكي نستطيع توصيلهم». ميزة هذا الكتاب الصغير والمعقد أن يمر مرروا سريعا وعميقا على عدد متشابك من القضايا. يوقظها ويجعلها مفتوحة بلا إجابات وهذا هدف الكاتب المهووس بالسؤال والكاره للجواب، ولكن الكتاب يحمل من جهة أخرى قصة حزينة، فبعد يوم واحد من الانتهاء منه قام الكاتب الذي كان بعمر ال 64 برياضة السباحة التي اعتاد عليها، داهمته أزمة قلبية التي غادرت ومعها روحه، ربما كان هو الموت (موته الشخصي) السؤال الذي لم يتطرق المؤلف له في كتابه كثيرا يكمل فصول ملحمته الفلسفية الصغيرة، وقد كان آخر فصول حياته وكتابه وربما أجملها!!.