انتقلت مراسم العزاء في حائل من البيوت الصغيرة إلى قصور الأفراح الأكبر مساحة، في إحدى صور تحوُّل العادات والتدرج في اندثارها، حتى تكاد تتلاشى وتكون صورة من صور الماضي؛ ما جعل كثيرين يتمنون عودتها في هذا الزمان. ويأتي العزاء في مقدمة مثل هذه العادات المهمة، التي تغيرت وتحولت إلى مناسبات مرهقة ومزعجة وباهظة، تُقام في قصورالأفراح، لاستقبال أكبر عدد من المعزين. ورغم أن التعزية تُعدّ واجبا دينياً وإنسانياً قبل أن تكون عادة حميدة، لما فيها من الترويح عن ذوي المتوفى، وتخفيف مصابهم الجلل؛ إلا أن تجاوزها للمألوف حوّلها إلى عادة سيئة غيرمرغوب فيها عند كثير من الناس. التقت “الشرق” مجموعة من كبار السن الذين عايشوا القديم والجديد، فقال فريح الجعفري: “إن العزاء اليوم تحول إلى شيء مزعج ، فبدل التخفيف على المصابين، تقام لذلك مآدب العشاء والغداء في قصور الأفراح طيلة أيام العزاء الثلاثة، وأضاف: “هذا ليس من السنة النبوية، ولا من قيم المجتمع السعودي”. وأكد عايض العبد الدايم، أن ثقافة الناس اختلفت الآن عن الماضي، وحل محلها أمر جديد، لكنه جديد ومرهق وذو عواقب وخيمة، و مكلف، وتساءل عايض: “ما الهدف من هذا؟”. وانتقد سالم العنزي البذخ في العزاء، وقال مستنكراً: «ليس هناك شيء اسمه عزاء في الماضي أو الحاضر، بل العزاء واحد، لكن ما الذي اختلف؟»، واستطرد: « إنها عقليات الناس، وتفاخرهم، وتبجحهم، حتى صارت موضة عند أكثرهم، وبات الذي لا يستطيع استقبال المعزين في بيته؛ يستدين ليأخذ مكانا لهم في استراحة أو قصر، وقس على ذلك كثيراً”. وأكدت نوف العبدالله أن هناك نساء عندما يذهبن إلى ذوي المتوفى، يرتدين أفضل ما لديهن من لباس، بل إن بعضهن “يضعن ماكياج مخصص، وكأن العزاء حفلة زواج أو مناسبة فرح”، داعية هؤلاء إلى العودة للماضي الجميل البسيط، الذي يغلفه جانب إنساني أكثر مما نراه اليوم. وعزا الشيخ يحيى السالم استمرارالبذخ في العزاء في وقتنا الراهن، إلى قلة معرفتنا بشرعنا المطهر وسنة نبينا محمد، التي لا يزيغ عنها إلا هالك، وأضاف متعجبا : «نحن اليوم هذه حالنا!.. لكن إلام سيؤول حال أبنائنا من بعدنا؟”، وتساءل بتهكُّم: “كيف نتخيل العزاء مستقبلا؟ في فندق؟!»، ومضى يقول: “يجب أن نعي أن كل جديد مرغوب، لكنه ليس شرعا منزّلاً نتبعه، فالشرع يعارض كل ما يجلب الضرر للإنسان”، واصفا العزاء هذه الأيام بالعبء الكبير على كثير من الناس. وطالَب السالم اجتناب هذا النوع من العزاءات، وتمنى أن تعود إلى ما كانت عليه سابقاً، بعيداً عن المغالاة والبذخ.