أخذت عادة تقديم ولائم العزاء وما شابهها في حال فقدان أخ عزيز أو صديق قريب أبعادا ذات طابع خاص جدا الخاسر الوحيد فيها هو أهل المتوفى والسبب الصرف غير الاعتيادي الذي يضخونه في الأيام التي تلي حالة الوفاة وذلك ما دفع الكثيرين إلى الاهتمام بهذه المسألة حيث يلجؤون إلى صرف مبالغ لا يستهان بها ما هي إلا مجرد تبذير في غير محله في الوقت الذي كان يجب فيه أن يتم صرفها في مناح مفيدة لأسرة أهل المتوفى. المرشدة الدينية نوال ريالات توضح معطيات الصرف البذخي في هذه المناسبات: «ما سمعناه حيال هذه المسألة كثير ناهيك عما تناقله الرواة الحضور لبعض مراسم العزاء بأنه تم تجاوز صرفيات وفاة أحد الأشخاص مبالغ خيالية والسبب مكانة الرجل بين ربعه وعشيرته إلا أنه كان من الواجب دفع هذه المبالغ في أماكن أخرى لها محاسنها وفوائدها بدلا من صرفها على الشراب والطعام وتقديم الحلوى بهدف تبييض الوجوه ليس إلا..!». وتضيف «هذه الحالات كانت حتى وقت قريب وما زالت مرسومة في أذهان الكثيرين حيث صب جل اهتمامهم حيال بيوت العزاء والاهتمام بها وصارت عبارة عن تفاخر بين العشيرة والأهل والأصدقاء وهي في الواقع ما هي إلا ضخ غير طبيعي لمصاريف الأسرة وتبذير كثير من المال في اتجاهات لم تعد ترضي أحدا على الإطلاق بل إنها ولدت حالات غريبة من البغض والويل والثبور نتيجة هذه النفقات التي لم تعد تلبي احتياجات أهل المتوفى بقدر ما تحقق احتياجات الضيوف الثقال على المعدة الذين يصرون البقاء ساعات وساعات في بيت العزاء لكسب لقمة العيش التي أتوا من أجلها بمعنى أنهم يبقون حتى يقدم أهل المتوفى «المفطحات»، وطبعا كل هذا من أجل العزية أو الذبيحة التي أتوا بها إذ إنهم لا يغادرون البيت حتى يأكلوا ما لذ وطاب من الطعام، وهذه الحالات تبقى مضرة أكثر مما هي نافعة وصارت بعيدة عن اهتمام الغالبية من الأشخاص الذين يعانون الفاقة وزيادة الاهتمام بهذه العادات التي أفرزت العديد من المواقف المحزنة وإن درجت نحو الزوال وبات يمتعض من وجودها بهذا الزخم كثير من الأشخاص غير القادرين على تأمين لقمة العيش لأبنائهم ولأسرهم التي تحتاج المزيد من المصاريف الزائدة ولكن يبقى الواقع الاقتصادي والعادات البالية مرتبطة بهذا الاتجاه وغيره». وتؤكد ريالات أن «هذه الصور شاهدناها بكثرة في مجتمعاتنا حيث تمتد عادات العزاء وأنماطه المختلفة وصرفياته المجحفة إلى أيام بعد إزالة بيت العزاء أمام دار المعزى، ناهيك وهذا الأهم عن أنه من باب التباهي يلجأ صاحب العزاء سواء أكان ذلك أولاد المتوفى أو أقاربه إلى وضع صيوان للعزاء ولم يكتفوا بأن يكون داخل البيت خاصة من كانت بيوتهم صغيرة» لافتة إلى تناول حكايات التندر التي تأخذ صورا مختلفة الأوجه طالما يتداولها المعزون فيما بينهم سواء أكانوا من المقربين أو المبعدين من الجوار وغيرهم «ما يزيد الوضع سوءا هو مكوث أقارب المتوفى في بيت أهله؛ ما يثقل عليهم بالمصاريف ومكان النوم والقيام بواجباتهم».