رغم أن الهدف من إقامة سرادق العزاء يتمثل في إتاحة الفرصة للقاء وتقديم التعازي لذوي المتوفى، إلا أن مما بدأ يظهر أخيرا، أن سرادقات العزاء لم تعد أمكنة وقورة ومهيبة كما كانت من قبل، بل أصبحت ترصد فيها ظواهر تشبه ما يحدث في المناسبات الاجتماعية الفرحية، فبدلا من ذكر محاسن الميت والتخفيف من مصاب ذوي المتوفى، فإن الأحاديث غالبا ما تتجه نحو أسعار الأسهم والعقارات، أو مناقشة الأحداث الرياضية، أو حتى تبادل الطرائف. وهذا أدى إلى شيوع استياء اجتماعي من هذه الظواهر، دفع بالبعض إلى اعتبار إقامة سرادق للعزاء خطأ من حيث المبدأ، وهو الأمر الذي لا يجد قبولا لدى الأكثرية ممن يرون أن سرادق العزاء لا يتحمل ما يحدث فيه من قبل البعض، لكنهم أكدوا على ضرورة عدم تجميل سرادق العزاء بالقدر الذي يضيع هيبته ووقاره، مشيرين إلى أن بعض مقيمي سرادق العزاء يجعلون المكان أشبه بصالات الحفلات، ما يجعل جو السرادق بعيدا عن أجواء العزاء. ويقول المواطن تركي النفيعي: إن الكثير من المظاهر التي تحدث وتبتكر في سرادق العزاء تجد نقدا اجتماعيا قويا، وأضاف: “بعض المعزين لا يعرف حدود اللياقة؛ فتسمع الضحكات تتعالى بين المعزين، كأنهم قادمون لمناسبة فرح لا لتقديم واجب العزاء”. وتوضح أم سعيد أن الكثير من المعزيات يحضرن بكامل أناقتهن وبعد أن يضعن المكياج الكامل ويحرصن على الأناقة المبالغ فيها، وكأنهن ذاهبات للتهنئة وليس للتعزية، مشيرة إلى أن البعض منهن يتحدثن عن آخر صرعات الموضة والمكياج، ويزداد أثر ذلك بتوزيع أنواع المأكولات الشهية وأصناف الحلويات السويسرية والمغربية وغيرها، في سرادق العزاء. من جهته قال الدكتور عادل حسن منور أستاذ علم النفس والاجتماع بالإدارة العامة للتربية والتعليم بمكة المكرمة: إن مفهوم العزاء في الإسلام هو مواساة لأهل الميت والدعاء له بالرحمة ومشاركتهم المصاب، ولكن مع الأسف تحول العزاء في الآونة الأخيرة إلى مظاهر براقة، والهدف منها المفاخرة، فيقوم البعض باستئجار دور وقصور الأفراح لإقامة سرادق العزاء؛ وذلك من باب التفاخر والتباهي، مشيرا إلى أن المفروض أن يكون العزاء بمراسيم بسيطة لا تشكل أي أعباء مالية على أهل الميت، ويجب أن يشارك أهل المجتمع أهل الميت مصابهم عن طريق تحمل تكاليف مراسم العزاء البسيطة. وأكد الدكتور منور أن العزاء من الناحية النفسية هو التخفيف عن أهل الميت؛ عن طريق الوقوف معهم في محنتهم ومشاركتهم مصابهم، والتخفيف عن آلامهم بالدعاء للميت، والطلب منهم الصبر والاحتساب؛ مما يؤدي إلى ارتياح نفسي لدى أهل الميت، بدلا من المظاهر الكاذبة في اللبس والمظهر والمغالاة في لبس الحلي والمجوهرات ووضع المكياج لدى النساء؛ مما يكون له أثره السيئ في نفسية أهل الميت. من جانبه علق الدكتور أحمد بناني أستاذ العقيدة بجامعة أم القرى سابقا، بقوله: “العزاء أصله مشروع لمشاركة ومواساة المسلمين بعضهم البعض حين تنزل بهم المصائب والأحداث، والرسول صلى الله عليه وسلم أمر أهله أن (يصنعوا لأهل جعفر طعاما؛ فإنه أتاهم ما يشغلهم)”.