مفهوم سوسيولوجيا العلم، أو علم اجتماع العلم، تطور في الثلث الأخير من القرن العشرين عما كان يعرف بالأبستمولوجيا أو فلسفة المعرفة، أو علم العلم، وذلك إثر الثورة المفاهيمية التي شهدها مطلع السبعينيات، حيث أحلت محل دراسة العلم (بوصفه مؤسسة) دراسة البعد المعرفي للعلم – من حيث محتويات المعرفة وشروطها الاجتماعية ويعد روبرت مرتون المؤسس الضمني لهذا النسق المعرفي الحديث في كتابه (البنية المعيارية للعلوم) 1942. هذا فضلا عن الآفاق الجديدة التي فتحتها فلاسفة العلم ما بعد الوضعية وكان أبرزهم، (كارل بوبر)، و(توماس كونو(إمرى لاكاتوش) 1922 – 1974. و(باول فيرابيد) 1924 – 1995م، فقد شكل هؤلاء الأربعة معا، رغم الخلافات الشديدة بينهم في المواضيع الجزئية، معالم فلسفة العلم في الثلث الأخير من القرن العشرين، إذ اشتهر (كارل بوبر) بنظرية (العقلانية النقدية) و(توماس كون)، بريادة اتجاه (التاريخ الموجه)، تلك الحركة التي قامت على الربط بين تاريخ العلم وفلسفته من خلال الميثودولوجيا، وعرف (لاكاتوش) بصاحب اتجاه (منهجية البحث العلمي) و(فيرآبند) بتيار (الفوضوية المنهجية) بعد أن نشر كتابه (ضد المنهج 1958. لقد أفضت النظرة التاريخية إلى الظاهرة العلمية إلى أنسنة العلم بوصفه صنعة إنسانية وإبداعاً إنسانياً، ونشاطاً إنسانياً، وفاعلية إنسانية، ومغامرة إنسانية، وكما يقول (مارجوليس) في كتابه (علم بغير وحدة: إصلاح ذات البين للعلوم الإنسانية والطبيعة): «إن مشاريع العلم هي بصورة حاسمة إنجازات إنسانية، والصفة الجذرية للعلم بعد كل شيء أنه نشاط إنساني.. لذلك فكل العلوم هي علوم إنسانية من زاوية إنجازها الفعلي فلا يمكن تعيين خصائصها بمعزل عن ملامح الثقافة الإنسانية والتاريخ الإنساني واللغة الإنسانية والخبرة الإنسانية والاحتياجات والاهتمامات الإنسانية. إن تأكيد البعد السيوسيولوجي للعلم، ونسبية الحقائق العلمية، ومبدأ الكشف وقوة الخيال والمغامرة، قد أفضى إلى إعادة الاعتبار للعلوم الاجتماعية والإنسانية، كل ذلك كان بفضل الثورة المنهجية التي حققتها فلسفة العلم المعاصرة. وهناك من يرى أن القفزة الحقيقية في سوسيولوجيا العلم لم تحدث إلا بفضل إسهامات توماس كون، ويقر بذلك، أهم المنظرين في سوسيولوجيا العلم في المرحلة الراهنة، حيث يذهب كل من بيرى بارنيز وديفيد بلور وجون هنري، إلى أن كتابات توماس كون تعتبر: علامة فارقة في سوسيولوجيا العلم، لأن تفسيره للعلم، يمكن استخدامه مباشرة كنموذج قياسي في علم اجتماع العلم، ودون حاجة لتحليله أو إعادة قراءته، كما يقر بيير بورديو بفضل الأفكار التي طرحها توماس كون، بقوله: إنني أنسب الفضل لتوماس كون، في أهم جزء قدمته فيما يتعلق بمنطق الممارسة والديناميات التي تحتويها ويقدم توماس كون نظرية في الممارسة العلمية تثير أكثر الأسئلة إشكالية بالنسبة لسوسيولوجيا العلم، والمتعلقة بالتغير، كيف يحدث وما هي آلياته، وما هي الشروط التي ينشأ فيها العلم الجديد أو النموذج الجديد، وما هي التأثيرات الخارجية المفروضة على المجال العلمي. في هذا السياق الأبستمولوجي يمكن لنا تعريف سيوسيولوجيا العلم المعاصر، بأنه ذلك الفرع المعرفي الجديد في العلوم الاجتماعية الذي يهتم بدراسة العلم بوصفه ظاهرة اجتماعية في بنيته الداخلية وشروط تطوره الخارجية، حيث جرى الاهتمام لأول مرة، بالجماعة العلمية وأنماط العلاقات بين الفاعلين العلميين وأدوارهم وقواعد عملهم وصراعاتهم وغاياتهم والعوامل المؤثرة على طبيعة نشاطاتهم وغيرها.