مازالت المتاجرة بالديات تنتشر حتى يومنا هذا، مع الأسف، بشكل جنوني، وعلني دون أي تدخل حازم، وصارم لوقف بعض السماسرة، الذين مازالوا يقفون وراء ذلك، ويلهثون لعقد الصلح، وإسقاط القصاص بدفع ديات لإعتاق الرقاب، وهي في الحقيقة ليست ديات، إذ إن الدية لها مدلول شرعي، ومقدارها محدد، في حين أن هؤلاء «يعزفون على وتر الابتزاز»، برفع سقف مطالبهم مقابل إسقاط حقهم، ولهذا مازلنا نسمع عن مبالغات كبيرة ومزعجة، تشوِّه صورة مجتمعنا بطلب ديات كبيرة وخيالية للتنازل عن القصاص، وما يتبع ذلك من أمور لا علاقة لها بالدين الإسلامي، ولم تكن معروفة في العرف القبلي منذ عقود خلت. الإسلام قدَّر هذه الديات، وحددها، ولم يتركها تُقدَّر تبعاً للأمزجة، والأهواء، ولكن ما نلاحظه في زمننا هذا وجود تعدٍّ واضح، وتدنٍّ بيِّنٍ في تقدير قيمة الديات، ونجد أن هذه التقديرات الحالية غير رادعة، ما أدى إلى استهانة الناس بدماء بعضهم بعضاً، وبالتالي «كثرة الثارات»، التي ربما تطول عشرات السنوات. والديات فُرضت، وحُددت في زمن الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، حيث قال: «فرض في الدية على أهل الإبل مائة من الإبل، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل هذه الشياه ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة». رواه أبو داود. ولهذا نجد أن القصاص، والديات، و«الأروش» من أهم الأسس المحافظة على الأنفس، أو بعضها من الهلاك، وحمايتها من الضياع، قال تعالى: «وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ». إن القيام بذلك يعني حماية النفس، وصيانتها، والتفريط فيه يعني هلاكها، ومن هنا شكَّل كلٌّ من القصاص، والدية، عقوبة رادعة لمَنْ اعتدى على هذه النفس المصانة. وفي الختام: نتمنى من ولاة أمورنا، حفظهم الله، ورعاهم، أن يشكِّلوا بصورة عاجلة لجنة شرعية لتحديد مبالغ الديات بشكل واضح ومعقول، ليتم تنفيذها، وتطبيقها على الجميع دون أي استغلال من أحد، أو متاجرة فيها، أو مبالغة، أو تشويه لها، والرجوع والامتثال لتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف.