في الوقت الذي يتضرع به المسلمون إلى الباري عز وجل في هذا الشهر الكريم ويدعونه سبحانه وتعالى لعتق رقابهم من النار في صيامهم وقيامهم ليلا ونهارا، خرجت أصوات ونداءات من سجناء خلف القضبان تطالب المجتمع بأن يساهموا في إعتاق رقابهم من حد السيف بعد أن تنازل أهل الدم مقابل مبالغ مالية طائلة تتعدى الملايين المتعارف عليها. وقد اكتظت المنتديات والمواقع والصحف الإلكترونية والورقية والمجالس خلال هذا الشهر في العديد من النداءات والاستغاثة التي يوجهها أهالي السجناء، مناشدين المجتمع بالتدخل في المساهمة في دفع الدية المفروضة عليهم لعتق رقاب ذويهم من القصاص. وفيما حسمت المناشدات إيجابا جمع 30 مليون ريال لعتق رقبة السجين خالد الحربي، والذي نال مهلة خلال 3 أشهر ابتداء من 1 رجب الماضي، حتى 1 شوال المقبل، حتى جاءت الصيحة الأخرى من أسرة السجين سامح الرويلي، أملا في جمع 22 مليون ريال قبل 26 رمضان. وينتظر 4 سجناء في سجون أبيار علي بالمدينةالمنورة ما تثمر عنه الحملة التي قام بها ذووهم منذ أربعة أشهر لجمع 18 مليون ريال لعتق رقابهم من حد السيف. وفي جنوب المملكة وجهت أسرة النزيل بسجن جازان العام على جابر يحيى الصهلولي والموقوف منذ ست سنوات مناشدة لأهل الخير لمساعدتهم في عتق رقبة ابنهم الذي كان قد صدر بحقه صك شرعي يقضي بالقصاص منه لقيامه بإطلاق الرصاص وإصابة شخص بطلق أدى إلى وفاته، حيث تنازل أهل الدم مقابل دفع دية مليوني ريال، فيما لم تتمكن أسرة النزيل من جمع سوى نصف المبلغ، ليبتقى مليون ريال، الأمر الذي دفع والد النزيل الصهلولي ووالدته وزوجته وأطفاله مناشدة أهل الخير مساعدتهم في دفع المليون ريال المتبقي من الدية. وفي محافظة عسير برزت مناشدة من والدة السجين حاتم بن منصور طراد الأسمري المحكوم عليه بالقصاص في قضية قتل وقعت قبل 4 أعوام، حيث ناشدت أمه أهل الخير والإحسان لمساعدتها في جمع مبلغ الدية البالغ 5 ملايين ريال، لإنقاذ رقبة ابنها الوحيد. بينما يناشد ذوو السجين محمد سعود العواد أهل الخير في المنطقة الشرقية وأم الساهك، لمساعدتهم في عتق رقبة ابنهم الذي كان قد صدر بحقه صك شرعي يقضي بالحكم عليه بالقصاص، على أن يتم التنازل عنه مقابل دفع دية خمسة ملايين ريال، في مدة أقصاها 6 شهور. ويأتي ذلك في وقت اعتبر المجتمع السعودي التدخل بالتبرعات من الخيرين أمرا محمودا، إلا أن الغالبية استنكرت ديات الملايين التي يفرضها ذوو الدم، حيث يبالغ بعض أولياء الدم في طلب الدية مقابل إسقاط القصاص، مما يعتبر أمرا تعجيزيا، مما يراه البعض ظاهرة تنبئ بكارثة اجتماعية متى ما تفشت في المجتمع. الأجر على الله وانتقد عدد من المشايخ والمواطنين ظاهرة التعجيز في الديات لقاء التنازل عن القصاص، وأوضح عضو هيئة كبار العلماء عضو مجلس القضاء الأعلى الدكتور علي بن عباس الحكمي، أن الديات قدرت منذ عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ب100 من الإبل، مشيرا إلى أنها مازالت المعيار لتقديم الدية، مشيرا إلى تشكيل لجان شرعية لمعرفة أثمان الإبل في الوقت الحالي وتقدير الدية لاختلاف أسعارها. ولفت الحكمي إلى أنه تم تحديد الدية مسبقا بمائة ألف ريال، واستدرك بالقول: «هناك لجان شرعية في المحاكم تقدر أثمان الإبل وتضع الدية المناسبة فالقضية متروكة»، مشددا على أن المغالاة والمطالبة في الديات ومبالغ الصلح غير مستحسنة شرعا، وقال: «من أراد أن يعفو فلا يبالغ بالعوض لأن أجره على الله وهناك أجر عظيم ينتظر العافي لوجه الله في الدنيا والآخرة». وقال الرئيس التنفيذي للجنة إصلاح ذات البين في منطقة مكة الدكتور ناصر بن مسفر الزهراني، إن لجنته سبق وأوصت بضرورة التدخل في مثل هذه القضايا وبما يتفق مع الأمر السامي القاضي بألا تزيد مبالغ الدية عن نصف مليون ريال، وبين أن اللجنة تأخذ بعين الاعتبار عند السعي للعفو في قضايا القصاص أسس مهمة باعتبارها قضايا مهمة وذات حساسية مفرطة، ينبغي على من يسعى فيها التحلي بالوعي والعقل والحكمة والبصيرة الثاقبة، ومراعاة إخلاص القصد لله تعالى، باعتباره أساس كل فلاح ونجاح. وخلص إلى القول: «التعويض في قضايا القصاص كان وما زال يحظى باهتمام أعلى سلطة في المملكة ممثلة بخادم الحرمين الشريفين، وأي شيء يتعدى ذلك فهو مخالف للأمر».