خلال الأيام الماضية، وقنوات التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام التقليدي، مشغولة بتناول قضية «الهياط» بشكل غير مسبوق، إثر تنامٍ غير مسبوق أيضاً لمظاهر «الهياط»، التي فاقمت من حدتها انتشار وسائل وتقنيات الاتصال. أغلب مقاطع «الهياط» المتداولة -إن لم يكن كلها- لا تخلو من «شيلة» شعرية كخلفية للمقطع، أو خاتمة له، في محاولة لتفسير أو تبرير أو تمجيد للصورة/ الفعل، وهنا بيت القصيد! لدي قناعة رافقت ظهور الشيلات بشكلها الحديث الذي صنعته أول ما صنعته مهرجانات مزايين الإبل، هذه القناعة مفادها أن الشيلات من المقادير الأساسية لصناعة وجبة «هياط» دسمة، تصيب من يتناولها بتلبك فكري حاد! الشيلات شعر أضيف إليه حداء وغناء وطبل، ولكل من هذه العناصر عمق تاريخي، ومكانة متأصلة في ثقافة العرب، خاصة إذا ما تعلق الأمر بإشعال فتيل الحماسة، وتفجير طاقة الإقدام على إنجاز عمل ما، أو فعل يجلب الفخر! الشعر وغناؤه وحداؤه كان رفيقاً للعربي. في السلم يستعين به على الكد والتعب في فلاحته، ورعيه، وبنائه، ووعثاء أسفاره، وفي الحرب يستنفر به نفسه وقومه وفروسيته وشجاعته، ويستخدمه سلاحاً نفسياً ضد عدوه. انقطع ذلك الزمن بكل مكوناته وظروفه، وبقيت ثقافة أهله متصلة حية محتفظة بكل قوة التأثير في وجدان أسلافهم! ولكن الظروف اختلفت سلماً وحرباً، فكيف لأدوات الماضي أن توظف في حاضر مختلف؟! وظفت في الشيلات طبعاً! التي لها قدرة عجيبة على خلق خلطة سحرية مليئة بالمفارقات، تجمع في إطارها (كذب الشعر ومجازاته، فانتازيا، نكوص تاريخي)، ما يشعل فتيل الحماسة، ويفجر طاقة الإقدام التي تتصادم مع واقع مختلف يجبرها على تفريغ الحماس والطاقة في فعل «الهياط»! هذا «الهياط» إحدى الصور الناتجة عن حالة «شعرنة للواقع»، و «الشعرنة» متجذرة في الثقافة العربية عموماً، وفي بناء الخطاب خصوصاً، وقد عرّفها الدكتور عبدالله الغذامي بأنها: (انتقال الصفات التي هي في أصلها صفات شعرية مجازية، من المطبخ الشعري إلى المائدة الاجتماعية). وهذا ما تفعله الشيلات تماماً! هل نمنع الشيلات؟! طبعاً لا، وهذا غير ممكن أصلاً، ولكن بالإمكان تحرير هذا الفن من اختطاف «الهياط»، عبر توظيف المنابر الجماهيرية في إعادة صياغة شكله ومضمونه وأغراضه.