التعامل مع الآخرين؛ يعتبر من أهم الفنون، نظراً لاختلاف طباعهم، فليس من السهل أبداً أن تستحوذ على احترام وتقدير الآخرين، وفي المقابل من السهل جداً أن تخسر كل ذلك! وتفرض الحياة على الناس أن تتعامل مع بعضها بعضاً، فلا يوجد هناك مَنْ يستطيع أن ينصرف عن الناس جميعاً، ولا يتعامل مع أحد، ويعيش وحدَه، فمن مُسَلَّمات الحياة أن يتعاون الجميع معاً لقضاء حوائجهم. وطريقة التعامل مع الغير هي في الدرجة الأولى نوعٌ من الأخلاق، فهي تكشف شخصية المرء، وما يوجد في داخله. وقد حثَّ الإسلام على حُسن المعاملة. وإذا أردت أن تكسب الناس فيجب عليك أن تفهمهم، وتذكَّر أن الآخرين هم بشر، وكائنات عاطفية أكثر من كونها كائنات منطقية، ولكي تفهم الآخرين عليك أن تفهم نفسك أولاً، ثم تحدد ماذا تريد منهم؟ وطريقة التعامل مع الناس لا يمكن تعليمها لأحد، لأن كل واحد منا يتعامل بطريقة معيَّنة، تدفعه بيئته، والأمور التي نالها في حياته، وخبراته وتجاربه، إلى التعامل على أساسها، وهنا يفضَّل دائماً عند التعامل مع الآخرين التعامل بالطبيعة التي كوَّنها الشخص، وليس بالطبيعة التي كوَّنها الآخرون حتى لو كانوا ناجحين في حياتهم، وطريقة تعاملهم تنجح مع الناس، لأنها لن تنجح معك لو قمت باستعمالها، وستدفعك إلى إهلاك نفسك بعدم المصداقية، والعمل على تصنُّع المواقف والآراء والأفكار، وهنا يتميز بعضهم عن الآخرين، فهناك أناس ناجحون، ويتبعون أسلوبهم الخاص في التعامل والتخاطب، ونجد في المقابل طرفاً آخر يحاول استخدام التحايل بتغيير طريقة الحديث، أو طبيعة الحركات والأفكار لجذب انتباه الآخرين ظناً منه بأنه سينجح بهذه الطريقة في كسب ثقتهم، واهتمامهم، وهذا غير ممكن بتاتاً، ويتسبب غالباً في دفع الآخرين إلى الشعور بالضيق من هذا الشخص حتى لو أظهروا في وجهه خلاف ذلك، لهذا السبب كن على طبيعتك، وتعامل بأخلاقك التي تعلمتها، تكن أفضل الأشخاص وصولاً إلى القلوب، ولا تهتم كثيراً إن أخطأت، فالمخطئ يستطيع الاعتذار، ولكن الكاذب لن يستطيع التراجع أبداً، وسيبقى دائماً محل خطر وشكّ من الجميع. يعتبر التعامل مع الناس حقيقةً، فناً ومهارة، توجد لدى بعضهم، بينما يفتقدها بعضهم الآخر، وهذا الفن يحتاج الناس إلى تعلُّمه بسبب تغيُّر طباعهم، واختلافها.. فهناك من الناس مَنْ يكون مزاجه عصبياً، ومنهم مَنْ يكون مزاجه هادئاً، ومنهم مَنْ يكون عاطفياً، ومنهم مَنْ يكون عقلانياً، فالاختلاف بين الناس في طباعهم وخصائصهم هو سُنَّة الله في الكون، قال تعالى (وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ). كما بيَّن النبي، صلى الله عليه وسلم، حقيقة الاختلاف بين البشر، حيث قال «إن الأرواح هي جنودٌ مجنّدةٌ ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف». فعُلِمَ من هذا الحديث أن الاختلاف بين الناس هو أمرٌ طبيعي تبعاً لاختلاف طباعهم وميولهم، لذلك ترى الناس يصنعون الصداقة و»الخلَّة» فيما بينهم، بالاعتماد على ما يجمعهم من قواسم مشتركة وطباع متشابهة، ولكن قد يواجه الإنسان أحياناً كثيرة مواقف، يضطر فيها إلى التعامل مع أناس يختلفون معه في الطباع، والتعامل مع هؤلاء الناس يحتاج من الإنسان أن يتسلَّح بمهارات سلوكية، تمكِّنه من التعامل مع أصناف شتى من الناس، ولكي يتجنَّب أسباب الخلاف والمشكلات معهم، فكثيرٌ من الناس تكون نيَّته صافية، ولكنه مع الأسف لا يُحسن التصرف، وبالتالي يُساء فهم تصرفاته، فحُسن التصرف هو فن وكياسة، يضفي على حياة الإنسان مزيداً من السعادة بسبب تحقيق التوافق بينه وبين البشر. أخيراً: إن فن التعامل مع الناس لخّصه الله عز وجل في هذه الآية الكريمة في سورة الأعراف: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾.