النّجاح كلمة، يولد الإنسان وتولد معه، وتنمو وتكبر شيئاً فشيئاً، إلى أن تستطيل عبر الآفاق التي تزداد دائرة اتساعها، كلما انقدح في الذات مطمح جديد، و متى ما تطلعت النفوس إلى ارتياده غدا أكثر إشراقاً، وأزهى مشهداً. إنّ النجاح الحقيقي هو السعادة التي يجدها الإنسان داخله، نتيجة سعيه ليكون لحياته معنى إيجابي، لا مجرّد رقم كميّ، بلا قيمة كيفية. ونحن قد لا ندرك أن النجاح أمر نسبيّ؛ إذ لا يوجد شخص ليس ناجحاً في بعض محتواه، كما لا يمكن أن يكون ناجحاً في كلّ شيء كذلك. ولعلّ هذا من مقتضيات التكامل بين البشر في الحياة؛ حيث تتمايز قدراتهم، وتتنوع مهاراتهم، ويتوزع إبداعهم على مساحة إنسانية تسير في غالبها في علاقة نسبة وتناسب بين المبنى والمعنى لكل شخصية إنسانية. وللتحليق في ذرى النّجاح، تندمج مجموعة الملكَات والقدرات المهارية بكل زخمها الدافع، ومعطياتها الأولية باعتبارها أهم الأسس وأميز المقدمات اللازم توفرها في الفرد أو المجتمع الناشد للنّجاح. كما تأتي صور معرفة نقاط الضعف، ثمّ محاولة معالجة أوجه القصور فيها ضمن خطوات المراجعة والتصحيح من أجل ممارسة إدارة بارعة لشخصيتنا الإنسانية بكلّ مواردها الذاتيّة، ومن خلال جميع عناصرها المعنوية والماديّة. ومن العثرات التي يواجهها بعضنا ذلك التركيز والاستغراق في التعرف على مواقع القصور والضعف دون سعي حقيقي للمعالجة الناجعة أو الاسترشاد بتوجيهات ذوي النصح والمشورة السليمة. ثمة علاقة مطّردة بين محصلة الناجحين كمتغير تابع وبين لعبة الوقت كمتغير مستقل، فالناجح هو من يستفيد من الماضي، ويستثمر الحاضر من أجل تحقق الهدف في المستقبل. وهذا يشير إلى أهمية التجدد المستمر، في خطى التطوير والشحذ الذكيّ لعوامل الإنتاج ومخرجات النجاح المبدع. وليس بعيداً صدق مقولة: «كما تكونون، تظهر احتمالات نجاحاتكم»، وفي هذا المنحى يشير صاحب كتاب «أراك في القمّة»، زيج زيجلر، بقوله إن: الموقف الذهني، هو الشيء الصغير الذي يصنع الفرق الكبير، ثم يقول: إن قصّة الحياة تثبت أن الأشياء الدقيقة غالباً ما تكون هي التي تصنع التباين الواسع بين السعادة والمعاناة، وبين النّجاح والفشل، وبين النصر والهزيمة،… إن التأمل في النّفس مفتاح الوصول إلى حقيقة المحتوى الإنساني البديع، «وفي أنفسكم أفلا تبصرون»، ومن يتتبع مفهوم النّجاح والناجحين، لا يطول به السّرى في الوصول إلى قناعة تامّة مفادها: أن أغلب النّاجحين هم من يتمتعون بمواقف واتجاهات ذهنية ونفسية يتأصل فيها تقدير الذات والثقة العالية، دون الالتباس بملوّثات تضخّم الذّات وأمراضها الأخلاقية الفاتكة. وفي قصة المعلّم مع تلميذه الفتى اليافع فائدة، حينما كان الفتى يشكو لمعلمه سوء حظّه ومرارة تجاربه وطول معاناته، فنصحه المعلّم بأن يضع حفنة من الملح في كأس من الماء، ثم يشربه، وبعد أن قام التلميذ بذلك، سأله المعلّم عن طعم الماء، وكان بديهيّاً أنه مالح جدّاً، بينما تبسّم المعلّم، وطلب من التلميذ مرّة أخرى أن يرمي نفس المقدار من الملح في البحيرة العذبة، ثم يغترف منها غرفة ويتذوق طعمها أيضاً؛ فتأتي إجابة الفتى أن الطعم عذب هذه المرّة، ليخلص المعلّم نصيحته قائلاً: إن آلام الحياة وصعوباتها مثل الملح؛ فقد يكون مقدار المصاعب في الحياة واحداً، بينما محدّدة الألم تعتمد على مقدار السّعة التي نضع فيها هذا الألم، فلا تكن مثل الكأس، وإنّما مثل البحيرة. خارطة نجاحنا تقع داخلنا، وحين ننجح في استنطاق مكنوناتها، ونوظّف معانيها، نعيش ألق النتيجة وشموخ الموقف، كما يعبّر الشاعر بقوله: فكن رجلاً، رجلُهُ في الثّرى، وهامة همّته في الثريّا. بقي أن ندعو لجميع بناتنا وأبنائنا بالنجاح والتفوق، والحمد لله ربّ العالمين.