في تراث شعبنا وامتنا العربية وفي تراث العالم, ملايين من الامثال الشعبية... تحتفي بها بعض الدول, وتطبعها على الناس, وتقوم بتحليلها ودراستها.. بل ويتخصص لها اساتذة في الجامعات, وتصدر عنها رسائل جامعية. وانا شخصيا استخدم في حياتي اليومية امثالا شعبية كما يستخدمها الناس, ويعجبني انها تلخص اي موقف واي قصة تلخيصا رائعا في كلمات قليلة, لها رنين التاريخ, ورائحة الزمن, وطعم الماضي. لكن الذين يحسبون ان الامثال الشعبية تعبر عن روح الامة, وتلخص مواقفها الثابتة الحكيمة من مسيرة الحياة فمخطئون. ولسوف ينزعج مني الكثيرون.. ويحسبونني مقطوعة الصلة بالاباء والاجداد.. ساخرة من افكارهم, داعية لالقائهم في زوايا المتاحف, وتحجيمهم في سطر صغير من سطور البطاقة الشخصية! لكن الذين يصبرون علي.. ويتابعون السطور في هدوء.. سيوافقونني الرأي.. ويبادلونني الاحترام والتقدير. وتعالوا نفتح معا صفحات تراثنا من الامثال الشعبية: فاذا اردت مثلا يدعوك الى الخروج على الناس بقوة, واخذ حقك باليد, ومقاومة الذين يقفون في طريقك فسوف تجد المثل جاهزا امامك! واذا اردت مثلا شعبيا يدعوك الى المشي مستورا في ظل حائط, ومواجها مؤامرات الناس بابتسامة, وان تنام مظلوما خير من ان تنام ظالما فسوف تجد مطلبك في مثل شعبي جاهز! واذا اردت مثلا يدعوك الى الرفق بزوجتك, والاستجابة لطلبات البيت.. وان الكرم يشتري النفوس, ويجعل عواطفها ملك يديك فهناك امثال لا مثلا.. جاهزا! واذا اردت مثلا يدعوك الى استخدام العين الحمراء, وذبح القطة ليلة زواجك حتى تفهم الزوجة ان اليد هي وسيلتك للتفاهم, وان اعصابك لا تتحمل الكلام, وطبعك لايعرف الابتسام.. فامامك عشرات الامثال فاغترف منها ما تشاء! واذا اردت امثالا تدعوك الى الثقة في الاخرين وان ثقتك في فلان تشتري بها ثقته فيك.. بل اذا اردت حكمة تدعوك الى الشك في الناس, وان التي تثق في الرجال كأنها تضع الماء في الغربال الذي كله ثقوب... فامامك ما تريد. واذا اردت مثلا يدعوك لان تهين قرشك وتحتقر النقود وتبعثرها كيفما تشاء فهي لاتساوي شيئا الى جوار النفس العزيزة المكرمة فستجد مطلبك في عدة امثال شعبية.. اما اذا اردت امثالا تنصحك بالمحافظة على النقود وان القرش الابيض ينفع في اليوم الاسود وان الدراهم مراهم فهي التي تحدد قيمة الانسان بمقدار ما في جيبه من نقود فهناك عدد ضخم من الامثال موجودة ومتداولة بين الناس. الخلاصة ان الامثال الشعبية مواقف متناقضة.. وانها لاتحمل من الحكمة الا كما تحمل تناقضات الناس وتبريراتهم.. وانها كطباع البشر فيها من الجرأة والشجاعة والاقدام بقدر ما فيها من النفاق والجبن والتراجع.. وفيها من العقل والرشاد مثل ما فيها من الجهل والحماقة. فاسمعوها وقولوها.. لكن لا تجعلوها حكما تمثل مواقفنا في التاريخ.. والا اصبحت كسياراتنا في مواقفها.. تحتاج الى غسيل؟