السّلام، بمعناه العظيم الذي يتجسد في تفاصيل الإسلام السمحة، والدين الوسطي الذي تميّز بهذه الميزة السامية، والتي يتخذها شعاراً وعلماً خفاقاً في سماء العالم، ومن يتبحر في تاريخ الإسلام وعظماء المسلمين الذين أبهروا العالم وأثروا في البشرية ونشروا الدين والعلم والثقافة والسماحة والسلام وجذبوا إلى هذا الدين قلوباً من شتى بقاع الأرض، سيجد أن ذلك كان بمعاملتهم الحسنة، وأخلاقهم العالية، وآدابهم السامية، وحكمتهم البالغة، وعلمهم الزاخر، وشخصياتهم العظيمة، وعقولهم الراجحة، ودينهم السّليم، فما كان لهم أن يبلغوا هذه المكانة إن كانوا دعاة فتنةٍ ودمارٍ وإرهابٍ وآراءٍ مهتزةٍ وفكرٍ مهترئ، فليس بهذا يُساد العالم، وإنما بالسلام، واستتباب الأمن والأمان، والحفاظ على الأوطان، حتى يجد العلمُ متنفساً، ويجد الإبداعُ أرضاً خصبةً ينمو عليها، فترقى العقول، وتتقدم المجتمعات، وتصبح ذات هيبةٍ وصوتٍ مسموعٍ أمام سائر الأمم. وما حكى لنا التاريخ، وما رأيناه من قبل، وما نراه الآن ونبصره من دمارٍ وخرابٍ وإرهاب، من بعض العقول التي تنتمي انتماءً ادعائياً لهذه الأمة الإسلامية، ولهذا الدين، فتثير الشغب في كل مكان وتقض مضاجع الأوطان وترهب الأفراد، إنما هو انعدامٌ في الأصل للدين السليم الوسطي القويم، ديننا السمح، مع افتقارٍ للعلم والمعرفة والثقافة القويمة والتربية السليمة، وانجذابٍ للفكر الضال المخرب الهدّام، الذي يتمرد على كل الأحكام، ويستمتع بأصوات الموت، ويتلذذ بسيلان الدماء، فقد فقدت هذه العقول هويتها، وفقدت تلك القلوب آدميتها، بل حياتها، فأصبحت آلةً صماء، لا روحٌ فيها بل خواء. ولعل الشعوب في العالم التي اختارت وفضلت مع حكوماتها الصراع على السلام، والعنف على العفو، والصفع على الصفح، إنما ندمت كثيراً لعاقبة أمرها أكثر مما رضيت، وربما تمنت أن يعود عقربُ الزمان للخلف أعواماً فيكون السلام والأمان والحفاظ على أرض الوطن هو اختيارهم، على غيره من الاختيارات، حتى وإن ظنوا خطأ في البداية أن الاختيارات الأخرى قد تكون أفضل لهم، أو أرقى لطموحاتهم، فعلى النقيض، فذلك التمرد والعصيان والجنوح للصراع إنما أتاها بما لم تحتسب، وفرق شملها، وشتت أمنها وقض سباتها، مهما كانت الأحوال قبل ذلك، فلن تكون أسوأ مما آلت إليه، ولعلنا نجد في أحاديث النبي الشريفة هذه الحقيقة المجردة، حينما قال – عليه الصلاة والسلام-: «إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا ،قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، كَيْفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذَلِكَ، قَالَ: تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ وَتَسْأَلُونَ الله الَّذِي لَكُمْ». ففضل السِّلم على النزاع والصراع والأخذ بالقوة حتى وإن كان هناك ما ينكره المسلم من أمر دنياه، وأمر بالكفِّ عن كل ما يجلب له الضرر والأذى. لا يستشعر قيمة الأمن والأمان، وعظمة السلام، – اللذين لا يقدران بمال الدنيا أجمع-، إلا من فقدهما في حياته، فأمست حياته هدفاً للخوف والهلع والحزن، يجتذبون فكره الحائر، وقلبه المتألم، ويده التي لا تملك ليومها ما تضمنه لغدها، ويضيع في هذه الدوامات المستحق وغير المستحق، ويجرف تيار الخوف وانعدام الطمأنينة الجميع، فلا يبقي ولا يذر.وجديرٌ بمن مُنح هذه النعم العظيمة الجليلة من الله -عز وجل-، أن يحمده ويشكره عليها قولاً وفعلاً، ويحافظ عليها بكل طاقاته، ويساهم في حضورها واستتبابها بكل ما أوتي من عزم وحزم، ولا يلتفت لأي فكرٍ مُعتم أفّاك، ويرد عن أرضه كل معتدٍ يهدد أمنه واستقراره، ونجد أن هذه النعم ولله الحمد تتجلى في هذه المملكة أدامها الله عليها وأبقى عليها أمنها. وختاماً، فإن هذه الأمة الإسلامية كالجسد الواحد، وكالسفينة العملاقة في المحيط تواجه أمواجه العاتية، وشراعها «السلام»، يقودها للطريق السليم، حتى تحط على شواطئ الأمن والأمان والطمأنينة والاستقرار.