الحياة كما يقال مواقف، والمملكة العربية السعودية لطالما عرفت بأنها دولة صاحبة مواقف ثابتة لا يمكن أن تتزحزح قيد أنملة عندما تكون على حق مهما كانت الضغوط والمغريات، يرضى من يرضى، ومن يغضب فليشرب من ماء البحر. لم يكن إعلان الاتحاد السعودي أمس عن انسحاب منتخبنا الوطني من لقاء منتخب فلسطين في رام الله إلا امتدادا لمواقف المملكة المشرفة وخصوصاً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية على مختلف الأصعدة بدءاً بالإنساني ومروراً بالسياسي وليس انتهاء بالدعم الرياضي من أيام الأمير فيصل بن فهد رحمه الله، ومن جاء بعده حتى نالت فلسطين الاعتراف بها وبحقها في اللعب على أرضها. يخطئ من يظن أننا حين نذكر ذلك إنما نمن على إخوتنا في فلسطين، فمن يعرف جهود المملكة في خدمة القضية الفلسطينية يعلم أنها كانت تستطيع أن تمن وأن تفعل أكثر قبل هذا الوقت لكن المملكة كانت فلسطينية أكثر من بعض الفلسطينيين، ولم تفكر يوما أن تفعل شيئا من أجل مصلحة أو مِنة. عندما تطالب فلسطين باللعب على أرضها فهذا حقها، ولا يستطيع أحد أن ينكر عليها هذا الحق، لكن في ذات الوقت كان حرياً بالإخوة في الاتحاد الفلسطيني أن يستحضروا الثقل الذي تمثله السعودية في العالم الإسلامي، ومعنى أن تدخل فلسطين من خلال معابر يهودية وما يشكّله هذا الدخول من اعتراف ضمني بحق الاحتلال في هذا المكان، وأن لايغيب عن أذهانهم أن دولة بحجم المملكة إن حققت لإسرائيل ماتحلم به؛ فقد أعادت القضية الأم قضية فلسطينالمحتلة – التي هي في عقولنا وقلوبنا أكبر وأسمى من أي تنافس رياضي – إلى الوراء عشرات السنين، فإذا كان المسؤولون الفلسطينيون لا يدركون معنى ذلك فإن المملكة تدرك حجمها وتأثيرها وما يترتب على مثل هذه الخطوة. بعيدا عن السياسة، فباعتراف رئيس الاتحاد الفلسطيني جبريل الرجوب مما ظهر في مقاطع فيديو يؤكد عبر تصريحات سابقة أن القوات الإسرائيلية سبق أن اقتحمت الملعب الرياضي وأطلقت النار على رياضيين وجدوا فيه إضافة إلى الوضع المتفجر خلال الفترة الماضية.. أمور تُعد ظرفاً استثنائيا موجِباً لنقل المباراة إلى مكان محايد، وهذا ما نتمنى أن يتنبه له الاتحاد الدولي خصوصا أنه أوفد لجنة أمنية إلى الأراضي المحتلة لرفع تقرير عن الأوضاع، وما نزال أمام بصيص أمل في قرار بنقل المباراة وإلغاء خطاب الانسحاب لوجود مبررات قوية، وحينها نكون قد أثبتنا موقفنا وعرفنا كيف يفكر مسيِّرو كرة القدم في فلسطين. وحتى إن تم الانسحاب فنحن يا سيد جبريل «انسحبنا بس ما انسحبنا».. نعم انسحبنا من المباراة، ولكننا لم ننسحب من مواقفنا الثابتة، انسحبنا من مباراة لكننا لم ننسحب من رفض الاعتراف الصريح أو الضمني بالكيان الإسرائيلي، انسحبنا من مباراة ولم ننسحب من دعمنا القضية الفلسطينية، انسحبنا من مباراة ولم ننسحب من عروبتنا لأجل كرة قدم، وعليك أن تعي أن الأمر لو تكرر ألف مرة فسننسحب ألف مرة، مهما كانت النتائج، ففلسطين تعني لنا شيئا كثيراً، وأكثر مما تعنيه لبعض أبنائها مع الأسف.