يمكن أن نعد هذا المقال مكملاً للسابق وإن كان الكلام فيه سيقتصر على الفئات الفنية النسائية ممن يحملون درجة البكالوريوس فما دون. هذه الفئة يجمع بينها كثرة العدد مقارنة بباقي الفئات والدور المهم جداً والحساس في رعاية المرضى والوجود الدائم في المستشفيات على مدار اليوم وتشمل الصيدلة والتمريض والأشعة والمختبرات وتخصصات أخرى. لسنوات ظل الحديث ولا يزال عن هذه الفئة أسيراً عند الجانب الأخلاقي السلوكي والاختلاط وفكرة تقبل المجتمع دون النظر للحالة الكلية مما أورث تفاقماً لكثر من الإشكالات التي أصبحت خطراً على حياة المرضى لو وضعنا الإتقان كمعادلة لا نحيد عنها. إن التعامل مع قضايا المرأة كحالة مؤقتة تتجاذبها أطراف ثقافية في انتظار نموذج ما يسود بين ليلة وضحاها أمر غير واقعي غابت بسببه المؤسسات المفترض بها إضاءة الواقع لصاحب القرار بطرائق علمية. إن التعويل على الرمزية والريادة والنماذج الفردية في شأن المرأة وغير المرأة خلل في التفكير إذ الصواب مرتبط بالرؤية العامة لكل التفاصيل التي نراها مهملة في حق الفئة التي أتحدث عنها، وللخروج من هذه الألغاز سألملم الموضوع في الأفكار التالية: – من الضروري تجاوز الاعتراف بقدرة الفتاة السعودية على إتقان المهنة وما تتمتع به من حسن خلق وسلوك وتربية راقية بالمجمل، لكن هذا الامتياز الفردي يفشل في الالتئام في مجموع مهني قادر على الإنتاج لتغدو الحالة الإدارية كأخيها الرجل أفراد رائعون ومجموع غير رائع!! – من الواضح جدا وجود صراع حاد بين القيم الاجتماعية والثقافية المتعلقة بالأسرة وبين القيم التي تفرضها واجبات المهنة عند هذه الفئة، يتجلى ذلك في إشكالات متعلقة بالعمل على مدار اليوم والليلة بنظام الفترات تنتهي معه هذه الفئة في العيش بقلق وتوتر وغياب وهروب إداري وطلبات نقل لا تنتهي إلى المراكز الصحية حيث البيات الصيفي والشتوي، كل ذلك لتقدر على الانسجام مع استحقاقها الأسري كابنة أو زوجة وأم. الخلل الأساس في النظام الذي لا يراعي التراتبية المهنية ولا الشأن الاجتماعي ولا التقدم في العمر، لذا لن تجد فنية سعودية في سن متقدم نسبياً في الميدان -عكس الأجنبيات- مما يفقدنا الخبرات والقيادة والقدوة والتدريب للجيل القادم. مع هذه الوفرة البشرية فإن الإصلاح الجذري لهذا الخلل العميق هو إداري قانوني يكمن في عمل السعوديات بنظام العقود المتنوعة التي تحتمل العمل الكامل والجزئي وتخفيض النصاب والتعاقد المؤقت وغيرها من الاحتمالات التي تتوافق مع ظروف الممارسة الصحية عدا ذلك فإن استمرار الوضع الحالي معناه غياب العدالة بين الفئات الفنية في التكليف والتوجيه والبدلات وهذا الإحساس بالظلم يسيطر على مشاعر كثير من الفئات الفنية، مع ضعف العطاء المهني والتسرب المبكر بلا ضوابط للأعمال الإدارية وهو باختصار هدر بشري يضر بالمرضى. – هناك ضعف ملحوظ في المخرجات العلمية وهو ضعف عام نلحظه عند الجميع، وهي مسؤولية وزارة التعليم لمراجعة مخرجاتها ورغم دور هيئة التخصصات الصحية إلا أن التدريب أثناء العمل هو الضامن الأساس لأن تكون الفئة الفنية آمنة الأداء على أقل تقدير وهذا مع الخلل في الفقرة أعلاه أمر لا يستقيم. – ترقية هذه الموارد البشرية عبر الإفادة من خبراتها -لا شهاداتها فقط – في التخصصات الدقيقة غير الموجودة ويصعب توفيرها ممكن عبر برامج تدريب تخصصية بمحاصصة جغرافية لسد النقص الخطير خاصة في المناطق الطرفية. – كيف يمكن فهم أن تعمل ممرضة أجنبية في العناية الحرجة وتستحق بدلا ماليا عن ذلك فيما السعودية (لا)! كيف نصنع خبرات في هذا المجال إذن؟ – حاضنات الأطفال والحراسة الأمنية والحماية من عنف بعض أفراد المجتمع والمتكئ على إعلام يحرض ضد مقدمي الخدمة الطبية بسوء مهنيته، مشكلات بدأت تتفاقم مؤخراً وتحتاج إلى علاج صارم. – الجانب الأخلاقي المرتبط بالسلوك وباللباس الشرعي والمهني أمر لا بد من مقاربته دون فصل بين مكونات الواقع العملي ونحتاج هنا إلى تفصيل طويل وقد طرحت ذلك في مقالات سابقة..