عمليَّة انتحاريَّة داعشيَّة استهدفتْ منسوبي قوَّات الطوارئ الخاصَّة في منطقة عسير أثناء أدائهم صلاتهم ظهرَ الخميس 21 شوال 1436ه، فخلَّفتْ 15 شهيداً، و33 مصاباً، سبقتها عمليَّاتٌ داعشيَّة استهدفتْ رجال الأمن في دوريَّاتهم، والمصلِّين جمعةً في القديح في القطيف وفي حي العنود في الدمام، والمواطنين في الدالوة في الأحساء في مناسبة دينيَّة، عمليَّات وإن أزهقت أرواحاً بريئة بأحزمة ناسفة التفَّتْ حول أجساد مواطنين جنَّدتهم داعش، فقد أخفقت في زعزعة الأمن وإثارة الفتنة الطائفيَّة، بل إنَّها أظهرت الجبهة الداخليَّة للوطن أقوى تماسكاً ولحمةً بين المواطنين وبينهم وبين قيادات الوطن ومؤسَّساته الأمنيَّة، فلم تزدهم إلا إصراراً على التصدِّي للتطرُّف والدفاع عن حياض الدين، وعن أمن الوطن والمواطنين، تغمَّد الله الشهداء بواسع رحمته وأسكنهم فسيح جناته ومنَّ على المصابين بالشفاء العاجل. عمليَّات داعشيَّة وهي وإن تزايدت وتتابعت في الأشهر الأخيرة إلَّا أنَّ ما تحبطه الجهات الأمنيَّة منها في بلادنا بضربات استباقيَّة أعلن عن بعضها، وبعض مازال رهن التحقيق لتشير إلى جهود أمنيَّة يقظة جنَّبت الوطن مزيداً من الضحايا، وعموماً فالوطن مهما فعل فلن يحمي كلَّ مساجده وجوامعه وأسواقه وتجمُّعات مواطنيه في مناسباتهم الاجتماعيَّة وفي مدارسهم وجامعاتهم منها؛ إذْ لن يستطيع تفتيش كلِّ الداخلين إليها، ولن يحصِّنَها كلَّها بقوَّات أمنيَّة، وإزاء ذلك فلابدَّ من تطوير الإستراتيجيَّات الوطنيَّة لمواجهة الإرهاب وعمليَّاته، ومراجعة الإجراءات الاجتماعيَّة والأمنيَّة لاستباقها وإفشال مخطَّطاتها، ولذلك أطرحُ الآتي: * مراجعة التكليفات الإداريَّة والإشرافيَّة في التعليم العام والجامعيِّ للحيلولة دون المنهج الخفيِّ الذي يمارسه أصحابُ الفكر المتطرِّف فينشرونه بين الطلاب والطالبات، منهج تبيَّنتُه أثناء عملي لأربعة عقود معلِّماً فمشرفاً تربويّاً فكتبتُ عنه تقاريرَ ومقالاتٍ منبِّهاً ومحذِّراً، فصحيفة الوطن نشرت مقالتي بعنوان: شهادةُ راصد ميدانيٍّ لظاهرة التطرُّف الفكريِّ والتشدُّد الدينيِّ في عددها 1539 عام 1425ه، فحقِّق معي بشأنها في تعليم محافظة عنيزة لينتهي التحقيق بإعدادي دراسةً بعنوان: أدوار في التَّطرُّف الفكريِّ والتَّشدُّد الدِّينيِّ ومعه وفي مواجهته: رصد ميداني وتحليلات في الأمن الفكريِّ عام 1425ه، استللتُ محتوياتها من تقاريري الإشرافيَّة لعشر سنوات سابقة لها، فأضحت ورقة عمل لوزارتي التربية والداخليَّة لمعالجة ذلك، وقبلها ترأَّستُ عام 1415ه لجنة المكتبات المدرسيَّة في تعليم عنيزة لأجد دوراً متغلغلاً للتطرُّف بما أدخل إليها من أوعية فكريَّة مخترقةً النظامَ التعليميَّ فكتبتُ تقريراً تحذيريّاً آنذاك، وكتبتُ عشرات المقالات عن التطرُّف الفكريِّ في مدارسنا كان آخرها في صحيفة «الشرق» في عددها رقم 1323، استقرأتُ فيها كتاب ذكريات وعبر لمؤلِّفه الشيخ عبدالله المعتاز مؤسِّس إدارة المساجد والمشاريع الخيريَّة المشير فيه في ص52 لذكرياتِ تأسيسه المكتبات في جوامع الرياض بدءاً بعام 1391ه، «فكان الشبابُ يطالبونه بتأسيس مكتبات لمساجدهم فيساعدهم فعمَّت المكتبات أنحاء الرياض، وصار لها نشاطٌ كبير وروَّادٌ شباب وعلماء يوجُّهونهم»، فكانت كما قال: «أوَّل غرسةٍ منه للصحوة بين الشباب، وصار فيها دروس ورحلات». * معالجة التطرُّف الفكريِّ في منابر الجوامع والصالونات الثقافيَّة الأهليَّة وجهات التواصل الاجتماعيِّ، وألا ننخدع بتغريدات بعض الدعاة التالية للعمليَّات الداعشيَّة ممَّن عرفوا بماضيهم بمظاهراتهم وتحريضاتهم منبريّاً وكتابيّاً، فكيف تمرَّر على الوطن تغريداتٌ من مناصري الإخوان المسلمين في رابعة ومن مبايعين لمرشدهم؟!، وكيف ينادي أحدهم بإصدار فتاوى تحرِّم سكوت الأسر على أولادهم حينما يلاحظون عليهم تطرُّفاً فكريّاً، فأبناء الوطن الذين تحرِّكهم داعش عن بُعد مموِّلةً ومخطِّطةً لهم ما كانوا لينفِّذوا عمليَّاتها في بلادنا ما لم يُعدُّوا فكرياً من مشايخ التطرُّف في الداخل وما لم يعطوهم الضوء الأخضر لتنفيذها وما لم يجدوا تعاطفاً وتمويلاً محلِّياً. * مراجعة وزارة الداخليَّة برنامجها في المناصحة إذْ لم يتمكَّن المشايخُ المناصحون من استقراء الأسباب والدوافع للمغرَّر بهم كما يصفونهم تخفيفاً لجرائمهم، فضلاً عن تمكُّنهم من وضعها في برنامجٍ تربويٍّ فكريٍّ نفسيٍّ اجتماعيٍّ أمنيٍّ لتحصين الأجيال التالية؟!، فذلك يتطلَّب دراساتٍ للسير الذاتيَّة للمغرَّر بهم منذُ طفولتهم كلٍّ على حدة، فبرنامجاً يتطلَّب قدراتٍ ومهارات تربويَّة ونفسيَّة واجتماعيَّة من واضعيه لا يمكن تحقيقهما إلا بمتخصِّصين في علم النفس وفي علم الاجتماع ومن تربويِّين ممارسين ميدانيَّاً وأكاديميِّين باحثين ممَّن بصروا بمشكلات التربية في مدارسنا ومجتمعاتنا، فالمشايخ مهما أخلصوا فهم غير قادرين على ذلك، وبالتالي لن يقدِّموا العلاج الفكريَّ والنفسيَّ والتربويَّ للمغرَّر بهم. * فإذا لم ينهض كبارُ العلماء ممَّن وصفهم الملك عبدالله – رحمه الله- بالصمت والكسل بمسؤوليَّاتهم وأدوارهم في المناصحة العامَّة كتابةً وخطابةً وتأليفاً، ومعظمهم ممَّن يرجع إليهم المناصِحُون فيفسِّرون صمتَهم بتفسيرات سلبيَّة على أدوارهم، إن لم يكن المناصِحِون مُخْتَرَقِين من الفكر المتطرِّف ومنظِّريه، وفي مقالة نشرتها صحيفة «الشرق» في عددها رقم 903 بعنوان: الفِكْرُ المُتَطَرِّفُ بَيْنَ المُغَرَّرِ بِهِمْ وَشُيُوخِهِمْ وبَرْنَامَجِ المُنَاصَحَة، ناشدتُ وزارة الداخليَّة بمراجعة برنامجها هذا منهجاً وعضويَّة مقترحاً إسناده إلى الأقدر على تحقيق أهداف الوطن باستعادة شبابه إلى الوسطيَّة والاعتدال وعلى تحصين الأجيال القادمة من التطرُّف والإرهاب.