* لن ينتهي هذا الفكر المتطرِّف وهذا التشدُّد الدينيُّ إلاَّ بضربات موجعةٍ لشيوخه ومنظِّريه ومموِّليه أقرأ للفكر المتطرِّف وللتشدُّد الدينيِّ إيحاءاتٍ تعلنها نفوسُ شريحةٍ كبيرة من مراهقي الوطن وشبابه ممَّن وقعوا تحت تأثيرهما، وألمح آثاراً لذلك في تصرُّفاتهم ومواقفهم تنبئ عمَّا سيكون واقعاً سيترجم توجُّهاتهم وخططهم، وأستقرئُ في نظراتِ شيوخهم المنظِّرين لهم المحرِّكين لخلاياهم وفي حواراتِهم بل وفي صمتهم فكراً متطرِّفاً كامناً وخططاً سريَّة تنتظر فرصاً سانحةً للظهور ولممارسة العمل الحركيِّ وتفعيله، وما حدَّ من ظهور ذلك وممارسته إلاَّ المستجِدَّات من الأوامر الملكيَّة والإجراءات الأمنيَّة، وإزاء ذلك لا أحسب أنَّ الوطن قد تخلَّص بعدُ من أولئك ومن تأثيرهم في أمنه واستقراره، لكنَّها خطوات ثابتة ناجحة في الطريق إلى ذلك، وما الضربات الاستباقيَّةُ الأمنيَّة إلاَّ مساعي وأساليب وطنيَّة ستحقِّق ذلك بمشيئة الله سبحانه وتعالى. فلقد تمكَّنتْ الأجهزةُ الأمنيَّةُ السعودية من تفكيك تنظيمٍ إرهابيٍّ مرتبط بتنظيم داعش وإلقاء القبض على 62 من أعضائه، منهم 59 سعودياً وثلاثة مقيمين، منهم 35 من مطلقي السراح في قضايا أمنيَّة ذات علاقة بالتطرُّف الفكريِّ وبالعمل الإرهابيِّ، فيما اقتضتْ مصلحةُ التحقيق تمريرَ بيانات 44 من المتوارين عن الأنظار للإنتربول الدوليِّ لاستجوابهم في إطار هذه القضيَّة، فبرصد أنشطة مشبوهة لعناصر من الخليَّة تواصلتْ مع عناصر في اليمن ومع قرنائهم في سوريا تمكَّنتْ الأجهزة الأمنيَّة من ضربتها الاستباقيَّة هذه ودون مواجهاتٍ أمنيَّة، وكشف اللواء منصور التركي المتحدِّث الأمنيُّ لوزارة الداخليَّة أنَّ من العناصر المقبوض عليهم سعودياً في الأربعين من عمره بويع أميراً للخليَّة، وهو ذو علاقة بتنظيم القاعدة وقبض عليه سابقاً وأطلق سراحه باستكمال محكوميَّته ومناصحته، وأعلن اللواء منصور التركي عن كشف التنظيم ومخططاته بجهود استمرَّتْ على مدى أشهر من المتابعة ورصد الأنشطة المشبوهة على شبكات التواصل الاجتماعيِّ بعد أن غدتْ ميداناً فسيحاً للفئات المتطرِّفة ووسيلةً سهلة لتواصلهم مع بعضهم، ولقد باشر المشبوهون في بناء مكونات التنظيم ووسائل دعمه والتخطيط لعملياته، وبتنفيذ عمليَّات المداهمة والتفتيش ضُبِطَ معملٌ لتصنيع الدوائر الإلكترونية المتقدِّمة لاستخدامها في التفجير والتشويش والتنصُّت، ولتحوير أجهزة هواتف جوالة، ولتجهيزات لتزوير الوثائق والمستندات، وكُشِفَتْ مصادرُ التمويل لهذا التنظيم بكشف جامعي التبرعات عبر شبكة الإنترنت وغيرها، أما الأسلحة ووفقاً لإفادة أعضاء التنظيم فكان من المرتقب تهريبها قبيل تنفيذ عملياتهم المزمعة. وما أحسب برنامج المناصحة لوزارة الداخليَّة مع المقبوض عليهم من أصحاب الفكر الضال قد نجح لدرجةٍ يُركن إليها في المجال الأمنيِّ، فإن نجح مع شريحة المغرَّر بهم من المراهقين فإنَّه دون ذلك بكثيرٍ مع العناصر الفاعلة ومع شيوخهم المنظِّرين والمحرِّضين وجامعي التبرُّعات، ولعلَّ ما كشفه اللواء منصور التركي بقوله: «ومن بين أولئك 35 من مطلقي السراح في قضايا أمنيَّة ذات علاقة بالفكر المتطرِّف وبالعمل الإرهابيِّ»، وهي نسبة تجاوزت النصف لتبلغَ 56,5% من عناصر هذه الخليَّة، هذه النسبة المرتفعة لعودة المناصحين إلى الفكر الضال وللعمل الإرهابي، وفي ضوء ما نقله الأستاذ خالد العمري بمقالته في صحيفة الشرق عدد 892 عن صحيفة الحياة من تصريحٍ لعضو لجنة المناصحة الشيخ عبدالله السويلم إمام وخطيب جامع الأمير خالد بن سعود في الرياض حرَّم فيه السفر إلى بلاد الكفار للدراسة والتجارة، محذراً من أنه يخشى على من مات في بلاد الكفار أن يدخل النار، وهو بذلك يكشف عن فكره المتطرِّف ويحرِّض على المبتعثين للدراسة والمسافرين للتجارة. وأجزم أنَّ هذه النسبة وهذا التصريح أعلاه ستدفع كثيراً من المواطنين لمناشدة وزارة الداخليَّة لمراجعة برنامج المناصحة في أعضائه المناصحين خاصَّة، وهذا ما طرحتُه سابقاً في مقالاتٍ عدَّة تناولتُ من شيوخ المناصحة مَنْ طالما أعلن عن فكره في قنوات فضائيَّة في مداخلاته العديدة، أو في تعقيباتٍ وردود صحفيَّة على ما كتبتُه في صحيفة الوطن عن الفكر المتطرِّف وعناصره المغرَّر بهم، أو في إظهار موقفه السعيد بما حقَّقه الإخوان المسلمون في انتخابات مجلس الأمَّة في الكويت الشقيقة، أو بما حقَّقه المتأخونون السعوديُّون في انتخابات المجالس البلديَّة في دورتها الأولى، نتائج وصفها هنا وهناك بالأغلبيَّة، انتقدتُ في حواراتي معه بعض آرائه ومواقفه الفكريَّة وردوده الانفعاليَّة كاشفاً مدى تأثير انفعالاته في عدم تحكُّمه اللغويِّ بأسلوبه؛ ممَّا عرَّضه للوقوع في سقطات فكريَّة وفلتات لغويَّة كشفتْ بعض أفكاره وآرائه من حيث لم يقصد؛ إذْ يتَّخذ من كتاباته حرباً كلاميَّة ضدَّ من يعدُّهم الأقليَّة الكاشفين لها، ومحذِّراً له من التلويح بالثوابت الدينيَّة والوطنيَّة باعتباره أسلوباً إقصائياً واستعدائياً لن يغطِّي أهدافه، ومستنكراً تباهيه بتيَّاره وبنعته له دائماً بالأغلبيَّة، وادِّعاءه بسيطرة الأغلبيَّة -وفق مفهومه وتوجُّهاته- على مناحي الحياة الاجتماعيَّة والفكريَّة والانتخابيَّة في بلادنا واستشهاده بانتخابات المجالس البلديَّة كحالة، وبدولة الكويت كمجتمع شقيق يسود فيه تيَّاره الفكريُّ باعتباره ذا ارتباطات تيَّاريَّة أو حزبيَّة معه بل ويعلن عنها دائماً، وكانت سقطتُه التي كشفتها قناةُ سكوب والدكتورةُ عائشة الرشيد دليلاً على أنَّه غير جدير بعضويَّة برنامج المناصحة، هذا مع الخشية من بثِّه أثناء المناصحة رسائله المعزِّزة الفكر المتطرِّف والداعمة التوجُّهات الإرهابيَّة لمن يناصحهم. وتعزَّزُ مراجعةُ برنامج المناصحة بمناصحة أمنيَّة لمَن كشفتْهم كتاباتُهم ومطويَّاتهم وخطبهم وبرامجهم الفضائيَّة، بخاصَّة مَنْ انكشفوا في مرحلة وصول الإخوان المسلمين للسلطة في مصر فتواروا كامنين بصدور الأمر الملكيِّ رقم أ 44 بمعاقبة منْ يقاتل خارج البلاد من السعوديِّين ومن يموِّل ويحرِّضُ ويتعاطف مع أصحاب الفكر الضال، فأولئك لا بدَّ من محاسبتهم على ماضيهم فهم الذين غرَّروا بالمراهقين وبالشباب، وأحسبهم ينتظرون فرصاً سانحة للعودة لماضيهم، فلن ينتهي هذا الفكر المتطرِّف وهذا التشدُّد الدينيُّ إلاَّ بضربات موجعةٍ لشيوخه ومنظِّريه ومموِّليه، وفي كتابٍ لصاحب السمو الملكيِّ الأمير الدكتور عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز بعنوان: «السياسة الشرعيَّة ومنهج جماعة الإخوان المسلمين» رصدٌ واسع للمتأخونين في بلادنا بأسمائهم فكراً ومواقف وعلاقات بالإخوان المسلمين في مصر وغيرها، وقد اطَّلعتُ على هذا الكتاب وأرى أن يكون وثيقة تسترشد بها لجنةُ الأمر الملكيِّ رقم أ 44 الصادر في 3 / 4 / 1435 ه.