ذكرت في مقالات سابقة أن جميع المرشحين الجمهوريين للرئاسة في الولاياتالمتحدة، باستثناء عضو الكونجرس عن تكساس رون بول، أعلنوا صراحة تأييدهم وولاءهم الثابت لإسرائيل والصهيونية، في جميع النقاشات الرئاسية التي تناولت السياسة الخارجية وقضايا الأمن القومي، كان المرشحون يزايدون على بعضهم في إعلان أن مصالح الأمن القومي الإسرائيلي ومصالح الأمن القومي الأمريكي متطابقة وستبقى كذلك إلى الأبد. ولكن في أعقاب الانتخابات الجمهورية الأولية في جنوب كارولينا، هناك بعض الانفجارات الهامة وراء الكواليس التي تعرض للخطر قبضة إسرائيل ومنظمة إيباك الشريرة على السياسة الرئاسية للحزب الجمهوري، بعد هزيمة محرجة في المؤتمرات الحزبية في آيوا في بداية يناير، لا يزال نيوت جينجريتش داخل السباق نحو الترشح للرئاسة، ولكن فجأة، منح الملياردير شيلدون أدلسون، صاحب كازينوهات القمار في لاس فيجاس، خمسة ملايين دولار للجنة عمل سياسية تدعم جينجريتش، وخصص المبلغ لإعلانات هجومية ضد ميت رومني. كان لأموال أدلسون عمل السحر، فاز جينجريتش في انتخابات جنوب كارولينا وأعاد نفسه إلى حلبة السباق على الترشيح الجمهوري لانتخابات الرئاسة، بعد عودة جينجريتش في جنوب كارولينا، خصص أدلسون بسرعة خمسة ملايين دولار أخرى لمعسكر جينجريتش، ويقال أن زوجته أيضا دفعت خمسة ملايين دولار أخرى لنفس المعسكر. حسب حكم قضائي أخير من المحكمة العليا في الولاياتالمتحدة، ليس هناك حدود لما يمكن أن يدفعه شخص أو شركة إلى لجنة عمل سياسية تستطيع أن تعمل بالتوازي مع حملة الانتخابات الرئاسية (ويطلق على مثل هذه اللجنة اسم «سوبر باك») طالما أن نشاطات هذه اللجنة لا يتم تنسيقها مباشرة من قبل المرشح. تدخل أدلسون المالي هز فجأة الحزب الجمهوري وتسبب في معركة داخلية كبيرة، والتي لها تداعيات كبيرة في إسرائيل أيضا. قبل المؤتمر الحزبي في آيوا، كان فصيل وول ستريت القوي داخل الحزب الجمهوري قد قرر دعم ترشيح ميت رومني، وتم الإعلان القرار عنه عندما أيد الرئيس السابق جورج بوش والسيناتور جون ماكين ترشيح ميت رومني، لكن أموال أدلسون التي ساعدت على عودة جينجريتش إلى السباق غيرت المعادلة، الجمهوريون التقليديون غاضبون من مالك كازينوهات القمار الصهيوني، وقام بعضهم بتوجيه تحذير مباشر إلى أدلسون بالتراجع عن ما يفعله وإلا تأثرت مصالحه المالية، لكن أدلسون لم يتراجع، والآن يقوم الحرس القديم في الحزب الجمهوري بشن حملة علنية لتحطيم جينجريتش وإخراجه من السباق. حلفاء الحزب الجمهوري التقليديون لتكتل الليكود الإسرائيلي يستهدفون الآن أدلسون، المعروف في إسرائيل على أنه من أكبر المانحين للجناح اليميني المتطرف، وأنه الداعم الأول لنتيناهو، وهذا تسبب بصدمة في المؤسسة السياسية الإسرائيلية، إسرائيل تخضع لضغوط من الولاياتالمتحدة لتقف جانبا وتترك واشنطن تتولى التهديد الإيراني، بالتعاون مع دول عربية وأوربية رئيسية، الرسالة الأخيرة من واشنطن سلمها مؤخرا الجنرال مارتن دمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأمريكي، دمبسي قال للمسؤولين العسكريين في إسرائيل بشكل واضح إن عليهم أن لا يهاجموا إيران بشكل أحادي، فيما تقوم واشنطن ولندن وباريس بفرض مقاطعة على النفط الإيراني وتحاول للمرة الأخيرة أن تصل إلى تسوية عن طريق المفاوضات لقضية الملف النووي الإيراني، من خلال آلية دول 5+1، والتي تضم الولاياتالمتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا، والصين، وألمانيا، المفاوضات بين دول 5+1 يُتوقع أن تُستأنف في العاصمة التركية أنقرة قريبا، وفي الوقت الذي يتم فيه اتباع هذه المقاربة للعصا الغليظة والجزرة، هناك أوامر صدرت لإسرائيل بأن تبقى جانبا، رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو رفض أن يلغي خيار قيام إسرائيل بضربة عسكرية ضد إيران بشكل أحادي. خلال الفترة الأخيرة، أدت قضية «أدلسون – جينجريتش» مزيدا من التوتر والصراع بين واشنطن وتل أبيب، إلى درجة أن بعض السياسيين الإسرائيليين يحذرون من أن السيطرة الصهيونية على الكونجرس الأمريكي وبعض فروع المكاتب التنفيذية الرئيسية معرضة للخطر، الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب يكره نيوت جينجريتش منذ فترة طويلة ويتهمه بأنه هو المسؤول عن خسارته لمعركة إعادة انتخابه أمام بيل كلينتون عام 1992، لذلك حتى بعض المحافظين الجدد الصهاينة، مثل إليوت أبرامز، يهاجمون جينجريتش نيابة عن مؤسسة بوش الشرقية (بوش إيسترن إستابليشمنت). في الوقت الذي فعل فيه الرئيس باراك أوباما كل شيء ممكن لدعم إسرائيل، منذ أن وصل إلى البيت الأبيض -أعطى كمية من المساعدات العسكرية لإسرائيل تفوق ما أعطاه أي رئيس أمريكي سابق وأفشل محاولة السلطة الفلسطينية للفوز بعضوية كاملة في الأممالمتحدة كدولة ذات سيادة- مع ذلك بقيت علاقته مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باردة، ليس سرا أنَّ نتنياهو يتمنى أن يخسر أوباما الانتخابات في نوفمبر أمام مرشح جمهوري يميني مؤيد للصهيونية بشكل قوي مثل نيوت جينجريتش. هناك عدد متزايد من المحللين السياسيين الأمريكيين بدأوا يشكون في أن شيلدون أدلسون تدخل بضخ أموال طائلة لتأييد جينجريتش بإيعاز من نتنياهو نفسه، هذا يرقى إلى تدخل إسرائيلي فاضح في السياسة الرئاسية الأمريكية، لصالح مرشح جمهوري يمتلكه أكبر مانح لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وصديقه المقرب، في نهاية التسعينيات، لم يكن سرا أن الرئيس الأمريكي بيل كلينتون تدخل بشكل مباشر في السياسة الإسرائيلية في محاولة ناجحة لإلحاق الهزيمة بنتيناهو، الذي كان رئيسا للوزراء في ذلك الوقت، ودعم إيهود باراك للفوز بمنصب رئيس الوزراء، الآن يبدو أن نتيناهو ينتقم من خلال تدخله الفاضح في السباق الرئاسي الأمريكي. فجأة تهتز السياسة في أمريكا وإسرائيل بطريقة متداخلة، داخل الحكومة «الدائمة» في واشنطن: وزارة الخارجية، البنتاجون، وكالة الاستخبارات المركزية، هناك شعور بالإحباط يصل إلى حد الكراهية لعصابة نتنياهو في إسرائيل، أيُّ تصدع في القبضة الصهيوينة والإسرائيلية الخبيثة على الكونجرس الأمريكي وجزء من الرئاسة يمكن أن يكون له تداعيات خطيرة، هذا هو التحول الذي حذر منه السفير الإسرائيلي في واشنطن مايكل أورين في يونيو من عام 2010.