لم يكن المشهد السياسي معقداً وملتبساً بهذا الشكل في ذلك الوقت، لم تكن هناك ثورات وثورات مضادة. لم تكن هناك دول مفككة وجماعات مسلحة ورهائن يذبحون على الشاشة ثم يتطور الذبح ليصبح عملية شواء تبث مباشرة عبر الشاشات. كانت الأمور أكثر بساطة وأقل تشابكاً قبل أن تبدأ أحجار الدومينو في التهاوي في سلاسة سريعة بدأت في ذلك اليوم المشهود.. يوم الحادي عشر من سبتمبر 2001 الذي لم يعد عالمنا بعده كما كان قبله أبداً، ولن يعود. مكالمة غامضة على هاتف جوال لصحفي تليفزوني بدأ يشق طريق الشهرة ببرنامجه الناجح على قناة مثيرة للجدل، يلتقط الرجل بحسه الصحفي طرف الخيط من مكتبه في لندن، اتصال ثم رسالة فاكس أكثر غموضاً، ثم رحلة عبر المجهول إلى كراتشي في باكستان، كانت أشهر قد مرت على حادثة سبتمبر، والعالم يراقب لهاث المخابرات الأمريكية وهي تبحث عن طرف خيط يدلها على الفاعلين بلا جدوى. يصل الصحفي إلى المطار ويتوجه إلى فندقه وينتظر، مكالمات غامضة وتوجيهات أقرب لأحداث فيلم سيئ الإخراج، سيارة مجهولة تقتاده إلى مكان مجهول وعصابة تغطي عينيه، ثم يجد نفسه فجأة في عرين الأسد وجها لوجه مع من خططا ودبرا أحداث الحادي عشر من سبتمبر ليقضي معهما يومين كاملين، ويصور بكاميرا غير احترافية أول لقاء يتحدث فيه مباشرة من قاموا بتلك المهمة الصادمة. كان ذلك هو يسري فودة الصحفي بقناة الجزيرة وهو يقابل رمزي بن الشيبة وخالد شيخ محمد أخطر مطلوبين للاستخبارات الأمريكية ويقضي ليلته في ضيافتهما ويعود إلى لندن محملاً بكنز من المعلومات لم تكن تملكه أجهزة استخبارات أقوى دولة في العالم وحلفاؤها مجتمعين. في كتابه «في طريق الأذى» الصادر حديثاً عن دار الشروق، يروي يسري فودة تفاصيل تلك الرحلة المثيرة ويكشف عن خبايا وتداعيات ما حصل بعد ذلك وكيف تسرب الخبر للاستخبارات الأمريكية عبر قناة الجزيرة، وكيف قابله أمير قطر شخصياً ليطلب منه أشرطة التسجيلات التي قام بها. وكيف انقلبت الدنيا عليه بعد ذلك عندما تم القبض على خالد شيخ ورمزي بن الشيبة في وقت مقارب لتاريخ بث المقابلة والبرنامج وتم اتهامه بشكل مباشر بالإيقاع بهما. تفاصيل ممتعة ومثيرة يرويها الكتاب في جزئه الأول قبل أن يخوض في سياق مغامرة أخرى خاضها المؤلف في عام 2006 في جزئه الثاني عندما حاول العبور إلى بغداد عبر سوريا على خطى المجاهدين ومقابلة زعيم أحد التنظيمات المقاتلة في العراق لكن الرحلة كادت أن تودي به نحو الهلاك فعاد أدراجه بعد أن جاب نصف العراق برفقة الدليل وبعد أن مرت فوق رأسه طائرة وزير الدفاع الأمريكي ذاته وأوشكت على قصف السيارة التي يستقلها. كتاب جميل يستحق القراءة والاقتناء، لكنه لا ينفك يثير التساؤل عن مصير يسري فودة نفسه وأين أصبح بعد كل تلك القصص المثيرة والواعدة!