تُبقي الكلمات آثارها في طريق قارئها، الشاحذ قدمَي خياله بعينَي رؤاه، وحتى إن حاول بعض الناس محو الأثر المتبقي من القراءة، تخرج الخطوات متخفيّة من الأماكن البعيدة في اللاوعي. غير أن أثر القراءة، الذي يظهر في الكتابة، يتفاوت من قلمٍ إلى آخر، ومن حالات كاتب إلى أخرى. من هنا تبرز ملامح قراءات الكاتب، ومدى التماهي، والتعاطي معها. ومن خلال هذا البروز تتشكَّل مفردة «الأبوة» ذات البعدين المتفاوتين، فقد تحمل أحياناً على كتفيها ثقل الهاجس الإبداعي في تخطي المألوف، وسبر الأغوار المجهولة، وتكوُّن الألوان الخاصة بصاحبها، التي تميِّزه عن غيره. وأحياناً أخرى تكون – الأبوة – سقفاً يطبق على المدى الخاص بالكاتب. يفترض بعضهم أن اقتباس أسلوب كاتب ما، أو انتحال الأفكار المطروحة لديه، وجعلها في قالب مختلف، ستعطيه الهالة الشبيهة بهذا الكاتب، وقد يقتنع بعضهم أن مديح أو اهتمام قامة أدبية، أو اسم معروف، بنصوصه هو وصولٌ إلى مرتبة تؤهله للتعاطي مع هذا الاسم، وتتبع ما يمليه عليه من آراء، أو أخذ ما يعجبه، ورفض ما لا يتفاعل معه، وهذا يبرز عند كتَّاب كثيرين في مواقع التواصل الاجتماعي، مع وجود علامة الإعجاب، أو عدم وجودها. من جهة أخرى، تطلُّ وجوه تملي آراءها، وقناعاتها على الكتَّاب الجدد، معطيةً نفسها المقام الأبوي، الذي يؤدي إلى الطريق الصحيح. وما هو الطريق الصحيح في كل هذا الوهم المفترض؟ وهل يحتاج الكاتب إلى احتضان أبوي ليبرز، أم إلى أكتاف يتكئ عليها؟