يسألك طفلك سؤالا محرجا، أو يتصرف ببراءة تخجلك، تصرخ في وجهه، يسكت، يتأدب، تظنها طريقة جيدة، للضبط والربط، والتربية والتعليم، تكررها، وفي كل مرة بحدّة أعلى، فيرتعد، ويرتدع، ويتأدب أكثر وأكثر، تتأكد يوما بعد آخر، من نجاح وسيلتك، للوصول إلى غايتك النبيلة، تنتج لنا “ولد متربّي” فعلا، يخرج إلى الشارع، والحياة، لا يعرف طريقة للتفاهم معنا، غير أن “يصر” في وجوهنا، ونحن طال عمرك ثلاثة أصناف: صنف أقوى من ولدك، وصنف أضعف، وصنف متساوٍ معه المثل بالمثل، الصنف الأقوى، يتعامل مع ولدك، مثل تعاملك معه طيلة حياتكما، فيرتعد، ويرتدع، لكنه لا يحس بغربة أبدا، ويظل يشهد أنك ربيته أحسن تربية، ويقر لك بالحنكة ومعرفة بواطن الأمور وظواهرها “ما شاء الله عليك وعليه”! أما الصنف الأضعف، فسوف يتمكن ولدك “المتربّي”، من سحقه بصراخه، وينجح في كتمان صوته، وحريته، فيرجع كل واحد من أفراد هذا الصنف، إلى بيته، مقهورا، “يفشّ غلّه”، في أطفاله، يصرخ، فيسكتون، ويتأدبون ارتعادا وارتداعا، وتصبح بيوتهم، مصانع تفريخ، لإنتاج بضاعة بنفس المواصفات والمقاييس، التي أنتجت على ضوئها، وعتمتها، شخصية ولدك “المتربّي”، “ألف ما شاء الله عليك وعليه”، ومن هذه الشخصية، تأتي الخصوصية، التي نسمع عنها دائما، ومن تزاوج شخصية ولدك الكريم، وخصوصية المجتمع، يمكننا الظهور للعالم بمصطلح جديد “الشخصوصية”! التي يمثلها خير تمثيل، الصنف الثالث، المتساوي مع ولدك “المتربّي”، حجما، ووزنا، وقوة، وهو الأكثرعددا، من بين الأصناف الثلاثة، هذا الصنف، لا يسكت، ولا يتكلم، ولا يقدر على إسكات أحد، ولا على الاستماع إلى أحد، صنف وُلد وتربّى على الصراخ، واستبدال الحجّة، بعلوّ الصوت، يحنّ إلى قوّتك، ويحلم بضعف غيره، يظنّك من الصنف الأقوى، لا يعرف أنك ما صرخت في وجهه، لو لم تكن من الصنف الأضعف!