الأوامر الملكية الأخيرة القاضية بتعيين 8 وزراء جدد تنبئ عن مرحلة مقبلة ستشهد تطورات مهمة تواكب حركة التنمية في المملكة بشكل عام، رغم أن الوزراء السابقين اجتهدوا قدر الإمكان وكانت لبعضهم بصمات واضحة في تطور أداء وزاراتهم، حيث انتقلت على عهدهم بعض الدوائر الحكومية من التعقيد والبيروقراطية إلى المرونة وسرعة الإنجاز، وإن شابها شيء من التعثر والعشوائية بحكم أن البدايات دائماً ما تكون حافلة بالأخطاء والعثرات، إلا أن خير وسيلة لتحريك المياه الراكدة في أي وزارة أو مؤسسة هي إحداث تغييرات في هيكلتها الهرمية عبر ضخ دماء جديدة في شرايينها بدءاً من رأس الهرم وانتهاء بمديري الإدارات والأقسام كي يتخلص العاملون فيها من الرتابة والروتين اللذين تسيّدا أجواء العمل طوال السنوات الماضية. ومهمة القيادات الجديدة تبدو صعبة للغاية إذا لم يكن لديها تصور واضح عن العوائق والإشكالات التي تعاني منها الوزارات والمؤسسات من أجل رسم الخطوط العريضة للنهوض بها إدارياً ومهنياً، وإيجاد الحلول المنطقية حتى لو كانت على المدى البعيد لتنفيذها على أرض الواقع بشكل تدريجي. في اعتقادي أن من بين أهم الأسباب التي تأخذ وقتاً طويلاً من أي وزير جديد هو وضع استراتيجية قد تكون نوعاً ما مثالية بحيث تتطلب إجراء دراسات وبحوث واجتماعات ولجان وخبراء وزيارات إلى ما لا نهاية… وكأنه يود أن يبدأ من الصفر على اعتبار أن ما تم تحقيقه طوال عقود لم يكن بصورة ممنهجة على نحو تراكمي! أدرك أنه من حق أي وزير أن يضع بصمته على وزارته بالصورة التي يراها مناسبة، لكن أرجو ألا يتجاهل محاولات أسلافه في بعض الأمور الشائكة، خاصة تلك التي استغرقت وقتاً وجهداً من الوزراء السابقين، لأن إعادة تقييم الجهود السابقة أجدى من البحث عن حلول مبتكرة قد تعيدنا إلى المربع الأول حيث مراحل التجريب الأولى التي ستكلفنا كثيراً من المال والوقت. لابد أن يضع الوزراء الجدد نصب أعينهم أن أي تصورات توضع قبل أن يتم الاطلاع الوافي والشامل على المشكلات والقضايا التي تعرقل تطور وزارته هي تصورات غير واقعية ولن يثمر عنها أي نهوض وتطور، بل ستزيد من إحباط العاملين وتقلل من تفاعلهم مع القرارات والخطوات التي تتخذها وزاراتهم. يجب أن تكون الأولوية دائماً لتحسين بيئة العمل من خلال الحوافز المادية والمعنوية للموظفين وتطبيق مبدأ تكافؤ الفرص قدر الإمكان، وهذا يتطلب شفافية وإرادة قوية من الوزير إذا ما أراد أن يكون قدوة للعاملين تحت إدارته كما هو حاصل في الوقت الراهن من قِبل معالي وزير التجارة الذي كسر كل الحواجز والعوائق رغم أن إمكانات وزارته أقل بكثير من بعض الوزارات التي لا تزال تسير بخطى وئيدة نحو التطور والتحول الإلكتروني في التفاعل مع هموم ومشكلات المواطنين. من وجهة نظري، أرى أن بعض الوزارات بحاجة للاستعانة بخبرات من القطاع الخاص خاصة على المستوى التقني، فأغلب قطاعاتنا الحكومية مع الأسف الشديد لا تزال متأخرة جداً في تفعيل استخدام التقنية في تعاملاتها، رغم أن ذلك عامل مهم في سرعة الإنجاز وجودة الأداء، إلا أن كثيراً من الوزارات ليست منسجمة مع طموحات القيادة في التحول إلى الحكومة الإلكترونية خلال السنوات المقبلة. إن المسؤولية الملقاة على عاتق الوزراء الجدد لا شك أنها جسيمة ومنهكة وتتطلب جهداً مضاعفاً على اعتبار أن أغلب الوزراء السابقين أمضوا في مناصبهم سنوات طويلة، وهذا ما قد يجعل العاملين في تلك الوزارات يجدون صعوبة في التأقلم مع الوضع الجديد، لذا من المهم أن يكون هناك تغيير على مستوى القيادات العليا، ولا يمنع أن يتم استقطاب كفاءات من خارج الوزارة أو المؤسسة إذا اقتضت مصلحة العمل ذلك، فالمهم في مرحلة البداية أن يتم تهيئة فريق عمل جديد برؤية وطموح تجسد تطلعات الوزير الجديد، بالإضافة إلى الاستعانة بأصحاب الخبرات الذين أثبتوا كفاءتهم من الجيل السابق والذين لديهم الاستعداد لخوض تجربة جديدة مختلفة كلياً عن تجاربهم السابقة. نرجو من الله أن يحالف التوفيق وزراءنا الجدد في مهماتهم المقبلة.