القضاء مرفق أساسي ومهم وحيوي يقوم على اساسه البشر ويستنير الطريق بظلاله وتستقيم الحياة به، مما يؤدي الى إرساء دعائم العدل والمساواة في المجتمع وبث الاستقرار الامني والمدني وفض المنازعات والخصوم، وفي حين هي تعتبر من أقوى السلطات بعد السلطة التنفيذية في المجتمع. وهنا نُسلِّط الضوء على تطوير هذا المرفق والأسباب وراء هذا قرار التطوير التاريخي، وما مدى انعكاس هذا التطوير على القضاء، وعلى ترسخ مبدأ العدل، إضافة الى انعكاس هذا القرار على صورة المملكة خارجيا، وكذلك تسليط الضوء في دور كلِّ محكمة في تولِّي انواعٍ مُعينة القضايا.. 7 مليارات في عام 1429 ه أطلق الملك عبدالله بن عبدالعزيز مشروعا لتطوير مرافق القضاء والارتقاء به وخصص له مبلغ 7 مليارات ريال، بهدف إحداث تغيرات إدارية واقتصادية كبرى في البلاد، وخدمة للتنمية ووضع الأنظمة للتطوير المستمر، ويعد نقلة نوعية نحو ترسيخ مبادئ منظومة القضاء السعودي إلى آفاق عالمية، وعبّر عن ذلك الدكتور عبد الملك بن أحمد آل الشيخ في كتابه عن تطور إدارة القضاء في السعودية، حيث تحدّث من خلال دراسة تحليلية عن القضاء في السعودية وتطوّره عِبر تاريخه الحديث، عن وضع الأنظمة الإجرائية وتعزيز الإدارة التنظيمية للقضاء بتحليل نصوصها وموادها وإبراز أهدافها. نظرة تاريخية ويقول المحامي عبدالله الزهراني: «ابتداءً وقبل الحديث عن تطوير منظومة القضاء ،يجب التوضيح بأن النظام القضائي في المملكة العربية السعودية هو امتداد للنظام القضائي في الإسلام الذي يُعدّ من أروع النُّظمِ المكتوبة والمدوّنة في القضاء ، منذ أكثر من ألفٍ وأربعمائة عام ، ولدت بميلاد الرسالة الإسلاميّة، وذلك من خلال الآيات القرآنية المباركة، والأحاديث النبوية الشريفة وانطلاقاً من أهمية دور القضاء في تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية بإقامة العدل والمساواة بين الناس.
تخصيص القضاء يعزز ويخفف العبىء على القاضي
اهتمام حكومي ويتابع الزهراني، «هنا يجب أن ننوِّه إلى اهتمام الدولة السعودية منذ توحيدها بقيادة الملك عبد العزيز آل سعود -رحمه الله- بمرفق القضاء ،حيث أولته بالغ اهتمامها وزاد هذا الاهتمام وظهر بشكل ملحوظ بعد تولي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود مقاليد الحكم, مضيفاً : «أصدر يحفظه الله المرسوم الملكي الكريم القاضي بالموافقة على نظام القضاء ونظام ديوان المظالم وآليَّتِهما التنفيذية, ولأهمية صدور مثل هذين النظامين وتنفيذهما على أرض الواقع، كان من الواجب إصدار قرارات أخرى يلمس منها خلالها المواطن العادي الأثر من تلك الأنظمة وتطبيقها. قرارات تطويرية ويضيف المحامي الزهراني: «لذلك فقد أصدر خادم الحرمين الشريفين – يحفظه الله – أمره السامي الكريم بالموافقة على محضر لجنة الأنظمة الأساسية بالديوان الملكي رقم 4 / 28 وتاريخ 6 / 2 / 1428ه التي رأت فيه أن تتم هذه النقلة التطويرية الشاملة في إطار مشروع متكامل، يطلق عليه اسم «مشروع الملك عبد الله بن عبدالعزيز لتطوير مرفق القضاء»، وقد خصص – يحفظه الله ويرعاه – ميزانية خاصة لهذا المشروع تبلغ سبعة آلاف مليون ريال، إذ أن الهدف من ذلك هو تهيئة الكوادر وتوفير الوظائف والتجهيزات ومباني المحاكم والمتطلبات اللازمة لتحقيق الأهداف والغايات من إصدار هذين النظامين اللذين يؤمَّل – بمشيئة الله – منهما أن يُسهِما في إحداث نقلة نوعية واعدة على الصعيد المحلي والدولي في أداء مرفق القضاء في المملكة لمهامه والمسؤوليات المنوطة به. ميزانية تطوير مرفق القضاء ضخمة وتفي بالغرض المطلوب، وهو إقامة العدل، ودفع الظلم أو رفعه، وقطع الخصومات، وفض المنازعات بين الناس ميزانية ضخمة ويضيف الزهراني: «مثل هذه الميزانية الضخمة, ووضع الآلية ضمن مشروع باسم خادم الحرمين الشريفين، يؤكد على اهتمام كبير من القيادة السياسية بهذا المشروع, ويؤكد أيضاً، أن التنفيذ سيكون تحت إشراف ورقابة خادم الحرمين الشريفين مباشرة، وهذا الاهتمام من القيادة السياسية يأتي في سياقه الطبيعي، إذ أن حساسية وأهمية هذا المِرفق تُحتِّم أن يكون الإشراف والمتابعة دقيقَين ،وقد ورد في مشروعي النظامين الإشارة إلى انتقال النظر في القضايا التجارية من ديوان المظالم إلى وزارة العدل، ويتوقع أن يتم نقل كافة الدوائر التجارية والدوائر الجزائية بقُضاتها الحاليّين من ديوان المظالم إلى وزارة العدل، إضافة إلى نقل أعضاء اللجان الابتدائية والاستئنافية من وزارة العمل إلى وزارة العدل، وربما يتخلل فترة التنفيذ انتقال بعض القضاة من وزارة العدل إلى ديوان المظالم للتدرب على القضاء التجاري». تخصيص القضاء ويتابع الزهراني، «من المتوقع ايضا أن يتم التنفيذ على عدة مراحل قد تستغرق عدة سنوات، إذ أن التنفيذ يحتاج إلى تعيين عددٍ كبير من القضاة في السلك القضائي، إضافة إلى إنشاء مبانٍ للمحاكم المتخصصة من تجارية وعمالية وجزائية وأحوال شخصية، وافتتاح فروع جديدة في كافة مناطق المملكة، مما سيُعزِّز جانب التخصص ويريح ويخفف العبء على القاضي والمراجع للمحاكم ومن ثم سرعة التقاضي، وسينهي بالتبعية تنازع الاختصاص بين المحاكم وكل ذلك يحتاج إلى مجهودات ضخمة وجبارة».
العدل قيمة من القيم الاسلامية العليا
إقامة العدل وأكّد الزهراني أن ميزانية تطوير مِرفق القضاء ضخمةٌ تفي بالغرض الذي من أجلها سيحقّق مرفق القضاء ما أُحدِث من أجله، ألا وهو إقامة العدل، ودفع الظلم أو رفعه، وقطع الخصومات، وفضِّ المنازعات، ووصول الحقوق إلى أهلها، واستقامة أمور الناس وانتظام عيشتهم، والحفاظ على كيان الأمة، وأمن الدولة، وبالجملة جلب المصالح ودفع المفاسد ،ونهاية القول: يجب أن أُشيد بالدور العظيم الذي تقوم به وزارة العدل برئاسة معالي الشيخ محمد العيسى وزير العدل ورئيس المجلس الأعلى للقضاء في تطوير المنظومة القضائية وتوفير بيئة عدلية مناسبة من أجل إرساء قواعدِ العدل ،والذي لطالما يؤكد على حكمةِ وذكاء القيادةِ السياسية في منحهِ الثقة الملكية الكريمة التي أولاها له خادم الحرمين الشريفين، لتوليته منصب وزير العدل. مراحل تاريخية وأكد المحامي حسام اللبابيدي أن «القضاء من أنبل الاهداف، والعمل بالعدل هو قيمة من القيَم الإسلامية العليا ،و الغاية من الرسالات وبصلاحه تعُمّ الطمأنينة وتقوى الثقة بين الحاكم والمحكوم وترقى الأمم، وبفساده والاخلالِ بشرعه وقوانينه، تُهدَر الأنفسُ وتضيعُ الأوقات، ونكون بلا فائدة ويعم الشر والفوضى وتضيع الحقوق.» ويضيف اللبابيدي :»يلزم أن يكون الانسان عادلا من نفسه حتى يعرف كيف يكون عادلا مع غيره ،وأن يكون صادقا مع نفسه وأَلّا يسمحَ للشيطان وغيره من الدخول في ثغرات الشك والظلم، والانسانُ العاقل يحكم الامور بموازينها، وخير الأمور أوسطها وعلى المسلم أن يكون حكيماً ينظر بالحُلْم والنيّة الحسنة» مشيرا إلى أن «العدل هو أساس للحياة ،وهو ركيزةٌ من ركائز الإسلام التي لا بد منها ،حيث إن أول من تولّى هذه الوظيفة في الإسلام رسولُنا وحبيبُنا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- فقد جاء في المعاهدة التي تمّت بعد الهجرة بين المسلمين واليهود وغيره، وقد أمره الله عز وجل أن يحكُم بما أنزل، وتولّى قضاء مكة على عهد الرسول عتاب ابن أسيد، كما تولّى علي بن أبي طالب- كرم الله وجهه- قضاء اليمن. أمّا عن الخليفة عمر بن الخطاب فقد لُقِّب بالفاروق، وكانت رسالته في القضاء أُنموذجاً ودستورا في القضاء في الرسالة التي أرسلها لأبي موسى الأشعري يذكّرهُ فيها ونتذكرها. عقوبات بديلة وتابع اللبابيدي، «إن من الأمور التي نراها ضرورية في عصرنا هذا منها العقوبات البديلة، التي تتعلق بقضايا الأحوال الشخصية الطلاق ،مثلا: بأن تقوم وزارة العدل بتوظيف المرأة في مجال القضاء والعمل على تأهيلها في المجال الاجتماعي والنفسي إضافة الى خريجات البكالوريوس في المجال الشرعي، تلك التي تُعتبر من ضمن خيارات القضاء في معالجة قضايا المرأة وإبداء الرأي ولِما فيه سهولة التعامل. هيئة محلّفين وطالب المحامي اللبابيدي بوضع محكِّمين ومتخصّصين لدراسة القضايا ومعالجتها قبل إحالة الدعوى إلى القاضي ،اضافة الى إنشاء مكاتب للصلح بالمحكمة، والاستفادة من الشرع في شفاعة القاضي للصلح فيما على العاملين في هذا المرفق «عدل» من اداريين وقضاة الإلتزام بالمواعيد والوقت وعدم إبقاء الخصوم فترات طويلة في الإنتظار ،مما يضرّ بمصالحهم وتحديد الجلسات المتقاربة، حيث لا تستغرق أكثر من نصف ساعة لكل قضية ثم يتم التأجيل ،كما ان يتم تأهيل القضاة بدورات تدريبية للتعامل مع الجمهور، والتصرف بحكمة الحليم. وان يتم تكوين هيئة استشارية من المواطنين في القضايا العامة، والتي تتطلب الرأي العام ويحق للدفاع المطالبة بها، وما يسمى بالخارج هيئة المحلّفين. وأن يعطى رئيس المحكمة حق إعادة النظر وتحويل المعاملة إلى قاضي آخر قبل إحالتها إلى التمييز في حالة طلب أحد المتخاصمين بالتّظلُّم أو إحالتها لهيئة المحلفين، كذلك وضع آلية مسايرة لمتطلبات القضايا المهمة ممثلاً اللبابيدي ذلك بقوله: إن يتمَّ تخصيصُ يومٍ بالأسبوع في المحكمة للسجناء فقط ،بحيث لا يقبل فيه أي قضايا أخرى ويتفرغ القضاة لمعالجة قضايا السجناء بدون وجود مراجعين». واقترح اللبابيدي بأن تقوم وزارة العدل بتخصيص المحاكم والقضاة الى إدارات تتمثل في قضايا الأحوال الشخصية ،وكذلك القضايا المالية والمطالبات والإعسار والقضايا الجزائية، إضافة الى القضايا الجزائية المشتركة.
مواطنون ينتقدون آلية تطوير مرفأ القضاء: لم نشعر بأي تحسين انتقد مواطنون آلية تطوير مرفأ القضاء السعودي، ورأوا أنه يسير بطريقة لا تخدم المواطن ولا المصلحة العامة، متسائلين عن ميزانية وزارة العدل، وأين هي من تطوير في تحسين البيئة القضائية في المملكة؟ مؤكدين أن تحديات القضاء السعودي مازالت كما هي، دون تغيير. وخصصت وزارة العدل مبلغ سبعة مليارات ريال لمشروع الملك عبدالله لتطوير القضاء في المملكة ، والذي سبق أن أعلن عنه عام 2008م، ويهدف المشروع إلى الارتقاء بالعمل القضائي من جميع جوانبه، ولكن هذا المشروع لم يحقق التطلعات المأمولة والرضا التام لدى المواطنين، وحمل المواطنون وزارة العدل مسؤولية تعثر هذا المشروع، معللين ذلك بافتقاد الوزارة لدراسات توضح حاجات ومطالب المواطنين، بل أن البعض منهم تضرر بسبب الأنظمة المستحدثة.
العدل تفتقد التخطيط رغم توفر الميزانية
الميزانية الضخمة وأكد محمد القرني أن «وزارة العدل تفتقد التخطيط السليم رغم توفر الميزانية الضخمة المخصصة لها» وقال: «في السابق كان المراجعون ينجزون معاملاتهم في كتابة العدل بشكل أفضل ممّا هو عليه الآن، وفي اليوم نفسه مع أن الطريقة السابقة كانت بدائية وفوضوية، أمّا في الوقت الحالي، ومع نظام الحجز الالكتروني الجديد، أصبحت المواعيد أكثر سوءاً، مما كانت عليه في السابق وتتصف بأنها مملة وطويلة، وتصل أغلب المواعيد إلى أكثر من أسبوع!! ويؤثر هذا التأخير على معاملات البيوع والوكالات، لأن أسعار العقار غير ثابتة، وتتغير ما بين صعود وهبوط في ظرف أسبوع، ممّا يؤدي إلى تفويت الفرص على البائع والمشتري. ويضيف القرني: «تتمتع وزارة العدل بميزانية ضخمة تستطيع من خلالها تطوير مرفأ القضاء بشكل يخدم المواطن بالطريقة المرتبة والمختصرة، وذلك باستحداث وظائف وطنية مدربة، تساهم في انجاز أكبر عدد ممكن من المعاملات، وتساعد أيضًا في دفع عجلة التنمية التي قد يتسبب التأخير في بُطئها وتعثرها». في السابق كان المراجعون ينجزون معاملاتهم في كتابة العدل بشكل أفضل مما هو عليه الآن، وفي اليوم نفسه مع أن الطريقة السابقة كانت بدائية وفوضوية توفير المقرات وانتقد المواطن عايض الشهراني طريقة وزارة العدل في توفير المقرّات التابعة لها، واعتمادها على المباني المستأجرة. ويقول الشهراني: «رغم وجود أراضٍ خاصة بوزارة العدل، إلّا أنها لا تزال تفضّل استئجار المباني، فأين ذهبت الميزانية ؟ وفيم أُنفِقت؟ ويضيف: «أغلب المباني التابعة لوزارة العدل مستأجرة، وبمبالغ ضخمة، وكان بإمكان الوزارة أن تنشىء مجمّع دوائرٍ يضم المحاكم وكتابات العدل التابعة لها بالقيمة التي استأجرت بها تلك المباني ، ولكن للأسف ميزانية وزارة العدل أصبحت تخدم أصحاب تلك المباني المستأجرة بدلاً من خدمة المراجعين، وهذا الشيء يُثبت هدر المال العام من قِبل الوزارة وتصريفه في غير محلِّه. واقترح الشهراني بعض الحلول التي تساعد في تطوير وإنجاز مهام وزارة العدل وقال : «آن الأوان أن تفصل معاملات توثيق البيوع عن مهام كتابة العدل، وتصبح مستقلة بذاتها، أو أن يُخصّص مبلغ من ميزانية العدل لفتح مكاتب خاصة بالوكالات والبيوع بعيداً عن الروتين الممل والمواعيد الطويلة ، لأن تمسك كتابة العدل بتوثيق البيوع والوكالات يؤدي إلى بعض المشاكل المترتبة على تأخير المواعيد.
المحاكم تعج بالمراجعين ونقص في القضاء توزيع القضاة وأبدى المواطن ابراهيم القحطاني تذمّره من طريقة توزيع القضاة على المحاكم وتكليف البعض منهم لتغطية العمل في محاكم أخرى وفي أيام معدودة .. يقول ابراهيم : سبعة مليارات ريال ولا يزال مراجعو بعض المحاكم في المملكة ينتظرون حضور القاضي في يوم واحد من الأسبوع ، مما يؤدي إلى تعطيل مصالح الناس ، وهذه الطريقة معمول بها في كثير من مناطق المملكة ، فعلى سبيل المثال لا الحصر كان هناك قاضي واحدٌ مكلّف من محكمة مدينة الجبيل يأتي في مُدّة يومين أو ثلاثة أيام ليُنجزَ معاملات المراجعين في محكمة النعيرية ومحكمة مليجة، وذلك بعد الإعلان عن مشروع الملك عبدالله لتطوير القضاء ، فأيّ تطوير يقصدون إذا كانت المعاملات والقضايا متكدِّسة عند قاضٍ واحد وفي أيام معدودة؟، ناهيك عن الإلتزام في الحضور لدى القضاة، والذي أصبح روتيناً تعوّد عليه المراجعون . ويردف القحطاني حديثه قائلاً : أزمة القضاة في المملكة منذ زمن ليس بالقريب ، وتفاقُم هذه الأزمة يُنبِئ بوجود خلل لا نعلم موقَعه ، ربما يكون هذا الخلل من العزوف عن العمل في مجال القضاء أو عدم توفر فرص وظيفية في وزارة العدل ، أو ربما لأسباب أخرى ، ولكن المهم في الأمر أنه مهما تنوّعت الأسباب فالواجب على المسؤولين بوزارة العدل أن يضعوا حلولاً لهذه المعضِلة التي تؤثر سلباً على قضايا المراجعين. أرض الواقع ويتساءل المواطن ماجد الزهراني عن «تطوير القضاء غير المطبّق على أرض الواقع على حدِّ قوله .. ويقول ماجد : «مِن المعروف أن كلمة «تطوير» تفيد الإرتقاء إلى الأفضل والانتقال من مرحلة إلى مرحلة متقدمة، ولكن للأسف أن عملية التطوير التي تبنّتها وزارة العدل عكس الواقع، فالحال كما هو لم يتغيّر، بل أشدُّ سوءً من السابق، فعدد السكان في نمو سريع ، والمعاملات القضائية في ازدياد واضح ولا تزال المحاكم تعجُّ بالمراجعين مع نقص شديد في عدد القضاة ، فهل يعقل أنّ المملكة على كثافة جامعاتها وكليات الشريعة بها والتي تتميز بالعمق في العلم الشرعي، عاجزةٌ عن توفير عدد كافٍ من القضاة ؟؟ وهل معهد القضاء العالي بالرياض وهو الوحيد المخصص للعلوم القضائية يستطيع أن يحوي عددا كبيرا من خريجي الشريعة ؟؟، وهل الميزانية التي تتمتع بها وزارة العدل غير كافية لإقامة مبانٍ خاصةٍ ومملوكة للوزارة نفسها؟ وهناك تساؤلات عديدة لا توجد لها إجابة مقنعة. ويضيف الزهراني قائلاً : الحديث عن هذه السلبيات لا يعني أن المواطن يتتبع عثرات الوزارة ، بل أن الوزارة ذاتها هي من جعل المواطن يُظهِر اِمتعاضه من الخدمات المتواضعة بعد إعلانها عمّا يُسمّى بتطوير القضاء ، فلقد تأمّلنا بعد ذلك الإعلان والميزانية الضخمة خيرا على أن يرتقي بالخدمات وأن تُحلِّ المشكلات ، ولكن الحال يقول: «مكانك راوح»، ونحن كمواطنين لا نريد من وزارة العدل دراساتٍ وبحوثاً تستغرق وقتًا طويلا ، بل نريد من المسؤولين فيها نقل التجارب الناجحة في مجال القضاء وتوثيق المعاملات من الدول الأخرى والتي تتماشى مع الشريعة الإسلامية».
فضل البوعينين البوعينين: تطوير المحاكم التجارية يعزز ثقة المستثمرين في الأسواق السعودية أوضح الكاتب والاقتصادي فضل البوعينين أن تطوير القضاء أمر ملح وضروري؛ وقال: «لا نعني بالتطوير المساس بالأحكام الشرعية بل الآلية التي بموجبها يتم التعامل مع القضايا المختلفة؛ خاصة التخصص القضائي؛ فلا يمكن أن ينظر القاضي جميع القضايا باختلاف أنواعها؛ كما أن التخصص يساعد على تحقيق الكفاءة؛ ويعجل في سير القضايا وإنجازها»، مضيفا ان «تطوير الأنظمة والإجراءات وإدخال التقنية الحديثة والمرافق، المتوافقة مع أسس الشريعة الإسلامية هو ما يسعى إليه مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير القضاء»، مضيفا أن الترافع الإلكتروني، أصبح جزءا من التطوير أيضا؛ خاصة أنه يتيح للخصوم الترافع عبر الشبكة العنكبوتية «الإنترنت» في مكان وجود الخصوم، وهذا ساعد كثيرا في التخفيف على المتخاصمين وسير القضية». تطوير المباني وتابع البوعنين «أما تطوير المباني فهو يقضي على السلبيات الحالية التي لا توفر البيئة المكانية المناسبة للتقاضي. ويبقى أمر التدريب والتطوير أمرا مهما؛ فالتخصص العلمي في حاجة مستمرة إلى التطوير واكتساب الخبرات المتوافقة مع تطورات العصر؛ خاصة مع تطور القضايا، وظهور جرائم جديدة بشكل مستمر، كالجرائم الإلكترونية والمالية المعقدة التي تحتاج إلى سعة اطلاع بها؛ إضافة إلى ارتباط الهيئات القضائية بعضها ببعض وظهور ما يعرف بالقضايا الدولية المتشعبة المرتكبة في عدد من الدول. محاكم متخصصة وابان البوعنين «هنا أجد أن المحاكم المتخصصة في القضايا الجنائية والتجارية وقضايا الأسرة والعمل وتوسيع نطاق السلطة القضائية أمر غاية في الأهمية؛ ويجب إنجازها في أسرع وقت، وتعميمها على مناطق المملكة، بما يحقق أهداف التطوير التي لم تستكمل بعد، وتعاني من بطء كبير في التنفيذ، وبما يؤثر سلبا على منظومة القضاء وحقوق المتخاصمين. ولا أعتقد أن هناك لبسا في تصنيف الاختصاص؛ وإن كانت بعض القضايا يمكن تصنيفها في أكثر من محكمة؛ إلا أن المعيار التصنيفي يفترض أن يعتمد الثقل التصنيفي وأعني الارتباط الأكبر في اي من المحاكم. إضافة إلى ذلك، فالتجارب العالمية؛ وبخاصة في بعض الدول الإسلامية يمكن أن تساعد كثيرا في عملية التصنيف وإن كنت أعتقد أن التصنيف ليس بالمشكلة الكبرى من حيث الأساس، وهذا ما ساعد على تجاوزه من قبل الجهات المسؤولة عن التطوير؛ بحسب ظني». القضايا التجارية وحول موضوع القضاء وتطويره قال البوعنين: «المحاكم التجارية من أهم المحاكم التي تساعد على دعم الاقتصاد وتشجيع الاستثمارات وجذبها وتوطينها؛ فالمستثمر الأجنبي يبحث أولا عن النظام القضائي الذي سيخضع له في حال النزاعات التجارية؛ وهذا لا يعني المرحلة اللاحقة لبداية النزاع بل السابقة وتعني الإجراءات القانونية والأحكام؛ فالمستثمرون يركزون كثيرا على الجانب القضائي ويبحثون عن المواد القضائية التي سيتحاكمون وفق لها؛ وهم أكثر حرصا على وجود المواد القضائية المكتوبة من الاجتهادات القضائية التي لا يستطيعون التنبؤ بها؛ وتدوين القضاء أمر مهم خاصة في الجوانب التجارية؛ والتدوين لا يعني الابتداع بل تحويل الأحكام الشرعية إلى مواد مكتوبة؛ إضافة إلى توثيق القضايا والأحكام والاعتماد عليها كقاعدة بيانات استرشادية في الأحكام. ويتابع ان وجود المحاكم التجاريَّة القادرة على البت في كافة المنازعات التجارية والاستثمارية في مدة زمنية قصيرة، أحد أهم عوامل جذب الاستثمارات الأجنبية وتحفيز المستثمرين على التوسع في استثماراتهم التجارية محليا، ما يعني ضرورة إنشائها بحسب رؤية التطوير الحديثة وفي جميع مناطق المملكة. انجاز المعاملات واشار البوعينين إلى ان هناك بطئا في إنجاز القضايا ما يؤثر سلبا على تحقيق العدالة؛ فتأخير العدالة ظلم يتعرض له الخصوم؛ وبخاصة أصحاب الحقوق منهم، في بعض القضايا التجارية، والحقوق المنظورة؛ قد رحل المتخاصمون فيها إلى الدار الآخرة وما زالت عالقة حتى اليوم، تُتابع من قبل الورثة، ولا أستبعد أن يتابعها ورثتهم مستقبلا؛ ومن هنا أعتقد أن القضاء في حاجة إلى مزيد من القضاة والمتخصصين، وبخاصة في الشؤون التجارية التي لا تحتمل قضاياها التأخير؛ والقضايا الجنائية وغيرها من القضايا. وفي حاجة ماسة إلى تحقيق الإنجاز والكفاءة وبما يحقق العدالة.
السنهوري للحجيلان: لو كنت سعودياً لقطعت رأسك يتذكر الشيخ جميل الحجيلان وزير الاعلام الأسبق موقفا مهما في حياته العلمية: «في امتحان السنة النهائية لكلية الحقوق بجامعة فؤاد الأول، كان نصيبي ان أؤدي الامتحان الشفوي في القانون المدني أمام الدكتور عبد الرزاق السنهوري، والسيد سليمان حافظ رئيس مجلس الدولة آنذاك، كان ذلك في شهر مايو 1950. ما زلت أذكر صوته الجهوري وقسمات وجهه الخشنة المطلة من رأسه الكبير، وأنا وزملائي الثلاثة الآخرين ماثلون أمامهم مسكونون بخوف شديد. استوقفه اسمي «الحجيلان» فسألني دون مقدمات: هل أنت سعودي؟ قلت نعم. قال، بكل جارحة صارمة جادة في وجهه، «لو، كنت ابن سعود لقطعت رأسك.!». سألته، وقد أغرقتني المفاجأة في مزيد من الارتباك: لماذا يُقطع رأسي يا سيدي؟ قال ما هذا العبث الذي أنت فيه! أمضيت أربعة أعوام تدرس القوانين الوضعية لتعود لبلد يحكم بالشريعة الاسلامية.. وبذلك تكون عبئاً على وطنك..! كان الوطن في حاجة للمعلم والمهندس والطبيب. لم يكن في حاجة لقانونيين في دولة أقامت وجودها على الاسلام، نظام حكم وحياة، وانا اعود لبلادي بفكر قانوني استجمعت أصوله من تشريع غربي، وبيئة غربية لا يجمعنا بها جامع من عقيدة او موروث لأصبح بذلك عبئا على وطني، كما كان ينذر به ويخشاه العالم الكبير». وأضاف الاعلامي تركي الموح «يظل القضاء بصفة عامة احد أهم أسباب الاستقرار السياسي والاجتماعي للمجتمعات لأنه من خلالها يتم حفظ الحقوق وأدائها وردها إلى أهلها، كيف لا وهذا المرفق يعتبر أحد أضلاع مثلث السلطة لأي دولة والتي تتكون من السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية ولا شك أن القضاء السعودي بعمومه ومنطلقاته الشرعية يمثل أنموذجا واقعيا يحتذى في العدل والمساواة بين المتخاصمين، ولا ضير ان قلنا أن فقيه الدستوريين الدكتور السنهوري لم يكن صائباً في لومه لمعالي الشيخ جميل الحجيلان الذي اصبح وزير اعلام بعد عودته ثم سفيرا في فرنسا واخيرا أمين عام مجلس التعاون الخليجي.
تركي الموح
الموح: مشروع التطوير يعتمد على الخبرات المحلية والدولية قال الإعلامي تركي الموح «بعد دراسة متأنية حيال الإجراءات المناسبة لعملية التطوير الشامل للقضاء، والاستعانة بعدد من الخبرات المحلية والدولية وبعض معاهد البحوث المنتشرة في جامعات المملكة، لإعداد خطة إستراتيجية لتطوير مرفق القضاء والتوثيق بعيد المدى، دُشِّن في الرابع عشر من شهر محرم من العام 1430ه ما تمت تسميته «مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير مرفق القضاء والتوثيق في المملكة –عدل-»، وقد قام على إعداد الدراسة معهد البحوث في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، والذي يهدف إلى إعداد خطة إستراتيجية لوزارة العدل بعيدة المدى للعشرين سنة القادمة من 1430ه إلى1450ه، لتطوير مرفق القضاء. وتابع الموح «لا شك أن مشروع الملك عبدالله لتطوير القضاء يعدّ خطوة جبارة نحو التقدم والرُّقي في مجال القضاء وتحديث أنظمته، فقد تمّ تحويل القضاء إلى درجتين ،الأمر الذي وسّع نِطاق التقاضي، وتم استحداث محكمة الاستئناف ومحاكم متخصصة للنظر في كافة القضايا ليكون هناك محكمةٌ للنظر في القضايا التجارية، وأخرى للنظر في القضايا العمالية، ومحكمة للنظر في قضايا الأحوال الشخصية. وأشار الموح «وزير العدل في محاضرة ألقاها عن النظام القضائي في المملكة ومشروع الملك عبدالله بن عبد العزيز لتطوير مرفق القضاء، في «معهد تكوين القضاة بالمملكة المغربية» تحدّث عن المنهجية التي اختطها القضاء السعودي في أحكامه، وقال: «إنها تعتمد السوابق والمبادئ القضائية المبنيّة على تحكيم الشريعة الإسلامية، كما تعتمد ما تقضي به الأنظمة من قواعد تمثل في بعض موادِّها تقنيناً جزئياً لبعض الأحكام، مُلمِّحاً أنه حسب استقرائه لم يجد قاعدة قانونية صحيحة، استقر عليها القضاء إلّا ولها أصلٌ في الشريعة الإسلامية. وحول القضاء الدستوري أوضح وزير العدل أن المملكة ليس لديها فراغٌ في هذا النوع من القضاء، وإن لم يكن لديها محكمةٌ دستورية عُليا، وأنّ هذا في كثير من الدول، حيث لا يوجد فيها محاكم دستورية ،ومع هذا لا تعيش فراغاً في نظام عدالتها، وأوضح أن الرّقابة الدستورية إمّا سياسية كالمجالس الدستورية، أو قضائية، والأولى: إما سابقة أو لاحقة.