عندما تهم الشمس بإسدال الستار على إشراقتها البهية، فتغطي قرصها برموشها الطويلة، وتلف بالنسيج خيوط أشعتها الذهبية إيذاناً بانقشاع نورها الذي كان يملأ الأركان والزوايا وكل مكان، ليحل محله الظلام المجهول والليل المطول الذي تتوارى فيه العجائب من الأسرار والخفايا والخفافيش والأشرار، إلا أن ذلك ليس بداية نهاية النور وإشعاعه وضوئه المتلألئ، بل هناك ثمة بداية لعهد جديد مع النور والأمل. ذلك هو بداية النور الذي يصدح من جباه الساجدين وهم يخضعون رقابهم على الأرض لتلامس جباههم الثرى الطاهر وهم يقومون سجداً يبتغون مغفرة من الله وفضلاً، وهناك من صدح بتراتيله ومزاميره فأطرب بالقرآن الإنس والجان، فيجعلون من ذلك الظلام نوراً يصعد من الأرض ليعانق عنان السماء ويشق صمت الفضاء ليصل إلى كل الأرجاء. هم بذلك قد استبدلوا نور الشمس الوهاج المهم بنور الطاعة والعبادة الأهم فحققوا صفاء النفس وعذوبتها وما فيها من خير على ما هو أدنى من ذلك بتقربهم إلى الله راكعين ساجدين منيبين إليه سبحانه، فوجدوا النور الذي ينشده كل من يعشق النور ويأنس به. وكم نحن محظوظون نحن المسلمين ونحن نستلهم أقدارنا على أنها نعمة عظيمة، فإن أنعم علينا بسراء شكرنا الله فكان خيراً لنا وإن أصابتنا ضراء صبرنا فكان خيراً لنا وليس ذلك إلا للمؤمن والله يعجب من ذلك. الحياة مملوءة بالسعادة والأفراح والمهج ولكن يقابل ذلك كثير من الأتراح والأحزان والمحن، فما أجمل أن يقابل المسلم ظلام الأتراح والأحزان والمحن بنور السعادة والأفراح ومزيد من الأمل. فكم من إنسان ابتلاه الله بشيء من نوائب الدهر وقهره ومصائبه لكنه صبر واحتسب فأبدله الله وعوّضه بأفضل مما كان يأمل أو يظن، وبالتالي فإن على المسلم أن يبدل ظلام المصائب بنور الصبر والأمل والاحتساب، فما عند الناس زائل وما عند الله باق والمرء لو لم يجد جزاء صبره في الدنيا فإنه سيجده عند الله في الآخرة في وقت هو أحوج لذلك الجزاء الطيب من أي وقت مضى. متعنا الله وإياكم بالصبر وجعلنا ممن يبدلون ظلام البؤس والعبوس والاشمئزاز بنور وضاء يجعل من كآبة الدنيا وزخرفها الزائف جنة يجد المؤمن لذتها ومتعتها وحلاوتها بالحلال وفي الحلال في الدنيا والآخرة حيثما يشاء الله ويرضى.