لا أجيد التعبير عن مشاعري، لا للذين أحبهم ويدهشني حضورهم، أو أولئك الذين يكرهونني فأبادلهم بكرهٍ أخفّ، وتأتي هذه الحالة مترافقة مع تسويفي وعدم مبادرتي إلى إعلان هذا الحب، فكلما حاولت إطلاقه للنور ترددت، وأرى الفرصة غير سانحة -أحياناً- فأستمرّ في تأجيل البوح، أو تمضي السنوات دون أن يدري هذا الإنسان بحقيقة ما أكنّه من شعور! وقد يفوت القطار، فيمضي ويتركني وحيداً لا ألوي على شيء، كغريب افترش أرض مرفأ قديم بانتظار أحباب لا أمل يلوح بعودتهم، فيرسل النغم شجياً حزيناً محرِّضاً على سكب ما تبقى من دموع الوداع. مؤلم هو الحنين المرتبط بالفقد، وحارق تأنيب قلب يصرخ لائماً، لمَ تأخرت؟ يا الله، كم أشعر بفقد من اقتبستُ منه “جلال” حضوره و”عامر” ابتسامته، جاري العزيز، الذي جمعتني صدف الحياة بأن يكون عن يميني، لأنهل من تواضعه وإشراقته اليومية عن قرب. “جلال عامر” الذي كان لحضوره وهج خاص، ولقلمه سخرية مريرة مضحكة ومبكية في آن، إنسان مترع ومغسول بكل معاني الجمال والنقاء والبساطة، ولأنه كذلك فقد أتت حروفه الرشيقة ترجمة لخصاله التي بادله الناس نحوها حباً بحب، وصدقاً بصدق، فتهادت الحروف من قلبه الرقيق إلى عشاق أسلوبه وحرفه. ستبقى حروف أصحاب القلوب العظيمة ظلالاً وارفة في قيظ الحياة، واخضراراً يزيل عن غصونها اليابسة قشور الجفاف. وسيظل “جلال عامر” -الذي رحل بشموخ المحاربين- شلال إلهام لا ينضب؛ فإن رحل جسداً فإنه باقٍ بإرثه الأدبي والصحافي الشامخ، وستبقى مواقفه الشجاعة نبراساً لأجيال مقبلة. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.