تقول الأساطير اليونانية أن الساحرة (سيرسا CERCA) أقنعت مجمع آلهة الأوليمب بمنح الخلود ل (أوديسوس ODESIUS) الضائع عبر البحار والقفار، في رحلة العودة بعد اجتياح طروادة وتدميرها وحرقها بالنار ونهب تماثيل الآلهة الذهبية، بعيداً عن زوجته الحبيبة (بينلوبي PENOLOPY) كي يسقط في أحضان الساحرة الماكرة، وتصور ملحمة ( جلجاميش) من الألف الثالثة قبل الميلاد رحلته إلى أرض (أتنابشتيم) البعيدة، يحضر منها زهرة اللوتس، كي تهب الخلود لصديقه (أنكيدو) ولكن الحية في رحلة العودة تبتلعها، ولا ينجو جلجاميش من الموت، كما لا يعبر أنكيدو إلى الخلود، في جو حزين، من حيرة الإنسان أمام صدمة الموت؟ يجلس جلجاميش فيبكي وتجري الدموع على خديه ويستعيد كلمات (أتنابشتيم): (ليس هناك خلود. هل نبني البيوت لتبقى إلى الأبد؟ هل يستمر فيضان الأنهار؟ ليس هناك خلود من قديم الزمان. النائمون والموتى كم يشبهون بعضهم.. أي جلجاميش إلى أين تتعجل المسير؟ إنك لن تجد أبداً تلك الحياة التي تبحث عنها؟! عندما خلق الإله الإنسان جعل الموت من نصيبه، ولكنه أبقى الحياة في حوزته، أما أنت يا جلجاميش فاملأ بطنك بأطايب الطعام. امرح وابتهج نهاراً وليلاً. البس الجديد واغتسل بالماء، داعب الطفل الصغير الذي يمسك بيدك، واجعل زوجتك سعيدة في أحضانك، فهذا كله أيضاً من نصيب الإنسان). أمام هذه الظاهرة العصية تقف البيولوجيا والتاريخ والفيزياء تنظر المسألة من ثلاث زوايا. البيولوجيا تحاول التمرد على الموت بظاهرة السرطان؛ فيموت الإنسان وتبقى خلاياه المتسرطنة تتكاثر بجنون لا يعرف التوقف. وحاول الفراعنة بناء جبال مروعة من الأحجار المرصوصة تتحدى الزمن، عسى أن يتحرروا من قبضة الفناء إلى عتبة الخلود، وقربت الفيزياء بواسطة النسبية بشقيها (الخاصة والعامة) فكرة الخلود، عن طريق سرعة الضوء والكتلة الكبيرة؛ فإذا قارب الإنسان سرعة الضوء توقف الزمن، وإذا استوى على مسطح عرضه السموات والأرض توقف الزمن، في تأطير غير مباشر لفكرة الخلود والاقتراب منها، كما أن القرآن أشار إلى امتداد العمر في أنموذجين: نوح الذي عاش تسعة قرون ونصف القرن؛ ألف سنة إلا خمسين عاماً، هذا في الدعوة، ولكنه لبث في قومه أكثر، ولا نعرف كم عمَّر الرجل بعد جزر الطوفان، وابتلاع الأرض الماء، وإقلاع السماء بمائها المنهمر. كذلك أنموذج مجموعة الشباب الذين هربوا إلى كهف قصي تضمهم فجوة منه، في نجاة من مجتمع مشرك أحادي الرؤية، يقتل كل إمكانيةِ تفتحٍ للإنسان، تهرب منه حتى الكلاب (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد) تجاوزوا في رقدتهم ثلاثة قرون، بطريقة التبريد KRYO من خلال قوانين فيزيائية كونية وبيولوجية (التقليب وعدم التعرض للضوء).