ذكرت الأخت أم إلياس أنها (مازلت متشوقة للوعد الذي وعدت بإطلاعنا على سر التعمير الذي ذكرت) واستجابة لطلبها وأهمية البحث فعليها أن تتابع البحث في أكثر من عمود، ولسوف أضع بين يدي القارئ معلومات هامة شق العلماء الطريق إليها؛ فقد وصلت مجموعة من الباحثين الأمريكيين إلى أسرار استمرار الحياة في الخلايا، في رحلة تقترب من الأبدية، ويحتفلون باكتشافهم (نبع الشباب) الكيماوي، حصل هذا في يناير من مطلع العام 1998 م، من خلال الكشف عن إنزيم خاص هو (التيلوميراز TELOMERASE) يمنح الجسد قدرة التجدد، بالانقسام الخلوي في الجسم، ويمنح الخلايا ديمومة الحياة، من خلال تتابع واستمرار انقسامها وتكاثرها، ولكن حماس الخلايا واندفاعها في عشق الحياة لا يعني سريان هذا القانون على هيكل الجسد ككل، فيتملص من قبضة الشيخوخة، أو يفر من قدر الموت (وما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين)؛ فالموت بانتظارنا في كل لحظة، والأرض التي جئنا إليها عامرة بالعداوة والحوادث والأمراض ولا تدري نفس بأي أرض وعلة وسبب تموت، ولكنها ستموت يقيناً. فيجب استيعاب هذه الحقيقة، والتمتع بكل لحظة في الحياة، واستقبال كل يوم جديد بالصالحات، فلا تدري نفس ماذا ينتظرها في الغد؟ مع هذا فنحن واقعون تحت سحر فكرة الخلود؛ فقد أغرى الشيطان آدم بفكرة الخلود (أو تكونا من الخالدين) وراهن الدين على فكرة الخلود، تحت إغراء فكرة جنة الخلد التي أعدت للمتقين، حيث لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأكثر ما يسحر في الفكرة الصمود أمام الموت؛ فلا يتآكل الإنسان، أو يذوب ويختفي، وكأن الزمن يتوقف، ويتزامن ذلك مع التخلص من قبضة المرض والشيخوخة والضعف والكآبة، ويؤتى بالموت على هيئة كبش أملح فيذبح وينادى بالخلود. حين أرى موت الممثلين في الأفلام أضحك وأقول إن الممثلين فعلاً يموتون ولا يموتون، ولكن في النهاية يموتون، فقد قرأت قبل أيام في مجلة در شبيجل الألمانية في صفحة الأموات، عن موت الممثل الشهير (إيلي والاش Elli Wallach) الذي لمع في فيلم الجيد والخبيث والبشع (The Good، Bad، Ugly) في الخمسينيات من القرن العشرين، مع (ايستن وود) وهما يصلان إلى كنز من الذهب في مقبرة، في حمى الحرب الأهلية الأمريكية والقوم يصطرعون. مات الرجل عن عمر 98 سنة؛ فعاش قرناً، ومثل تسعين فيلماً، كان آخره دور موظف بنكي في عصر الانهيار المالي عام 1928م. مثّل الفيلم وهو شيخ فان عام 2010م. وهو يذكرني أيضاً ب (كيرك دوجلاس) الذي سحرني وأنا طفل، في أفلامه (طروادة) و(سبارتاكوس) والملاح البسيط في فيلم (غواصة الكابتن نيمو)، وهي أفلام يجب أن تعاد ويراها كل مشاهد، بعيداً عن أفلام هولي وود المشبعة بالعنف والجنس.