نشد جميعا على أيدي من يأخذنا متحولا بنا نحو الأحسن والأكمل، ولعل إنشاء إدارة للتحول في وزارة الصحة يكون في هذا الاتجاه، ومع دعواتنا للقائمين على البرنامج بالتوفيق، إلا أن واقع وزارة الصحة المتراكم منذ عقود يقتضي عملا نوعيا يمتلك خصائص التحول والارتحال من حال إلى حال. لا يمكن التحول في الصحة ونحن نتعامل وفق استراتيجية (الكل رابح) win-win strategy، ذلك أن العمل الصحيح لا بد أن يغضب فئة ما أو يحول دون مصالح فئة أخرى. لا يمكن التحول في الصحة ونحن نمارس سياسة (تصفير المشكلات) عبر عقلية تؤمن بمبدأ طي الصفحة وبدء صفحة جديدة -التأمين كحل سحري مثالا- ذلك أن السلبيات المتجذرة في عمق الكيان تدعو إلى التعامل المناسب حتى يتحقق الانسجام بين المكتوب والمنفذ تجنبا لظاهرة (الوزارة العميقة). إن أكبر مشكلة تواجه استراتيجيات الصحة المتعاقبة هي كونها (غير محروسة)، بمعنى القابلية الشديدة للانتهاك من عوامل داخلية وخارجية. لذا فإن الوعي بهذه العوامل والتحكم بها أمر حساس جدا. لا بد للتحول من مجال يعمل فيه وعليه، ولدينا في الصحة مجال (النظام) ومجال (الخدمة ) ولا شك أن الخدمة هي التي تستحق أن تكون المحور الأهم وذا الأولوية حاليا وذلك لارتباطها بالعنصر البشري من جهة ولكونها المتطلب الذي يئن منه المرضى. إن إفرازات نظام الخدمة المدنية، ونظام التشغيل الذاتي بتطبيقاته الحالية، ومخرجات الجامعات المتدنية المستوى، وتسرب الفنيين من العمل الفني إلى الإداري وتوزيعهم وفق اعتبارات اجتماعية ومصلحية خاصة، وتوافق ذلك مع سيادة عقل إداري ينظر للوظيفة الحكومية كضمان اجتماعي غير مرتبط بالإنجاز، كل هذه العوامل تصب في انتهاك خطط التطوير والتغيير وتجعلها دون حراسة ومراقبة. إن العمل الطبي المهني ليس كالتجارة أو العمل يمكن التحكم به بضغطة زر، فنمنع مؤسسة مخالفة من التمتع بالخدمات أو رجل أعمال متجاوز من عقوده ومصالحه، بل هي بيئة تقوم كل خطوة فيها على أساس علمي يحتاج تأهيلا وخبرة وتدريبا يكون المريض محوره لذا فإن من مهام التحول الأولى هو خلق بيئة يحترمها منسوبوها أولا عبر فرز علمي وعادل لهم. إعادة الفنيين المتسربين من العمل الفني -بمن فيهم الأطباء- وإعادة تأهيلهم مع وضع ضوابط لتكليف هذه الفئات مستقبلا وفق معيار زمني لا يفقدهم لياقتهم المهنية، وتطبيق فكرة الشيك الذهبي على القدامى منهم ومن الإداريين الذين اقتربوا من سن التقاعد، وتقريب المسافة الهائلة بين الإداري والمريض، كل ذلك وغيره من شأنه تعزيز (الخدمة) وجعلها في إطار مهني منضبط. أؤكد على نظري من زاوية الخدمة أما زاوية النظام والتشريع فهناك كثير مما تضيق المساحة عليه، ومن ذلك الهدر المهول في التموين الطبي، ومنظومة اقتصاديات الصحة ومستقبل الإنفاق والتمويل، ودور القطاع الصحي الخاص وغير ذلك.