أسأل عن الفلسفة التي ينطلق منها وجود إدارات مختصة بالشؤون الدينية في مستشفياتنا، وهذا التساؤل لا ينبع من النظرية بقدر كونه ينبع من التطبيق. يبدو أن للإشكالية- المزعومة عندي- وجهين: الأول مرتبط بفكرة «مأسسة» الأمور الدينية -على الرغم من تحفظي على هذا المصطلح- وذلك لارتباطه بالتصور الغربي القائم على الفصل بين الدين والحياة، والبديل المناسب قد يكون هنا «الشرعي أو الفقهي»، والوجه الآخر يمثل صورة من صور الإخفاق الإداري المتعدد المناحي. عند ملاحظة بعض تطبيقات الإدارات الدينية تلاحظ انحيازاً إلى الرقابة الأخلاقية على حساب الخدمة الفقهية للمرضى، وهذه الرقابة متأثرة بالمجتمع الخارجي المتسع الذي تكون فيه المستشفيات بيئة مصغرة شديدة التركيز يمكن التعاطي معها بسهولة، هذا مع الإشارة إلى خاصية التسامح الإيجابي مع غير المسلمين العاملين في المستشفيات مما أورث صورة وضيئة قل الكلام عنها وسط الزحام. لا شك أننا نعاني من تقصير حضاري في حق المرضى يتمثل في الإخفاق في تحويل فقه المريض من طهارة وصلاة وصيام ونحوها إلى جزء متماهٍ مع منظومة الرعاية الطبية التي تراعي حق المريض وفي مقدمتها خدمته المنسجمة مع ثقافته. يمكن تنفيذ ذلك بأن يكون من وثائق الملف الطبي تدوين ملاحظات المتخصص في الشأن الشرعي -الواعي بمفردات الخدمة الشاملة- في المستشفى ليتأكد من استحقاق المريض هذه لخدمة كما يحصل في حق المجال الاجتماعي والنفسي. أما الرقابة على الأخلاق بنوعيها المهنية والعامة فهذه مسؤولية النظام الإداري الذي يقوم بهذه المهمة بآليات معينة لا ينبغي أن يكون من ضمنها الإيحاء بالفصل بين الديني والمهني، ذلك أن هذا النظام لابد من انطلاقه أساساً وفق مقاصد الشريعة، قد لاحظنا مثلا أن التعميم الخاص باللباس الخاص بموظفات وموظفي الصحة يأتي وفق تسلسل إداري يبدأ من معالي الوزير، لكن المحك في تطبيقه ومراقبته حين يكون بالمعيار الإداري، ويبقى أي اجتهاد آخر رديفاً لهذا التأسيس. إذا فكرنا بهذه الطريقة فلن نلاحظ هذا الخروج على الثقافة الشرعية في لباس بعضهم وبعضهن من العاملين والعاملات، ولا اختلاف الهوية العامة للمستشفيات بناء على الانتماء المؤسسي. إن من رعاية المريض الشاملة الإحاطة بالمستجدات ذات البعد الفقهي كما في زراعة الأعضاء والتعامل مع الأمراض المهددة للحياة، وتوفير المعطيات الروحية الداعمة للمريض كما في آداب زيارة المريض وكذلك توفير الدعم المالي والنفسي والاجتماعي لبعض الفئات ولا يكون ذلك إلا عبر تضامن الأفكار وانصهار التصور وروح الفريق من طبيب وفني واختصاصي وعالم شرعي وواعظ ومثقف أو أديب يأتي متأخراً ليترجم كل ذلك إلى نص إبداعي. احتراما للتخصص واتساقا مع فكر الجودة فعلى وزارة الصحة وهي تسعى حالياً لتشغيل مستشفياتها عبر نظام التشغيل الذاتي أن تخصص في وظائفها الإدارية مسميات مخرجات الكليات الشرعية وفق ضوابط محددة وذلك مجافاة للاجتهادات غير الموفقة ولكي لا تصبح إدارات الشؤون الدينية مأوى للهاربين من العمل الفني.