انتشار وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي كشف عن أزمة حوار، يبدو أنها عميقة الجذور، وما نراه اليوم من انحدار فكري وقيمي شيء من ثمارها المرة. المؤسف أن قادة هذا الانحدار هم نخب وقادة رأي، راحوا يخوضون الجدل تلو الجدل، جدل ليس بالتي هي أحسن، ولا من أجل الوصول إلى كلمة سواء، إنما من أجل تسجيل انتصار ما ليحظوا بتصفيق الأتباع والمتفرجين لحظة «تطيير جبهة» الخصم، ولتسير بتغريداتهم المصورة ركبان تويتر وفيسبوك وواتسآب. هذه المعارك لا توفر شيئاً من الأسلحة اللسانية مهما بلغت بذاءتها وفحشها، من أجل إلحاق أي هزيمة معنوية بالطرف الآخر، ومع كثرة المعاقرة اليومية للفحش والبذاءة، صارت هذه الصفات جزءاً من شخصيات أطراف المعركة، حتى لم يعد أحدهم يفرق بين كلام ينثره لأتباعه المحدودين في تويتر -مثلاً-، وكلام يقوله عبر شاشة قناة مشاهدة من ملايين الناس، من مختلف الشرائح والأعمار! والوصول إلى هذه المرحلة هزيمة أخلاقية وذوقية، وإقرار ضمني بانتصار الفكرة المقابلة التي يتم تناول صاحبها أو تيارها بفحش لفظي، وبذاءة لا تحترم المشاهد الذي قد لا يكون له علم بهذه المعارك من الأصل، ومؤكد أنه غير معني بها. في تاريخنا المعاصر لم تشن حروب من كل نوع ولون، قدر ما شنت على غازي القصيبي رحمه الله، ولم يحمله ذلك على التجاوز على أيٍ من خصومه، فقد كان فارساً في نزالاته، نبيلاً في خصوماته، يسلق خصومه سلقاً بالحجة، ويقارع الفكرة بالفكرة، بلغة سامية رفيعة تعبر عن أخلاقه.