التقرير - السعودية تحذير: هذه المقالة من العيار الثقيل، وهي موجهة لكل من انتسب للتيار "الإسلامي". الكاتب لا يتحمل مسؤولية أي ضرر نفسي ينتج عن قراءتها. استمرارك في القراءة هو إقرار منك بتحملك المسؤولية. ** ** ** يصف الله خلق نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: "وإنك لعلى خلق عظيم"، فهو عظيم في قوله وفعله، وعظيم في رحمته ورفقه، وعظيم في حلمه وغضبه، وعظيم في خلقه كلّه! ومن عظمته أنه أرشد أمته بقوله: "البرّ حسن الخلق"، ومن عظمته أنه فصّل حال المؤمن بقوله: " ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء"، فكان جماع البرّ حسن الخلق، ونقصان الخلق نقصان في البرّ، وكان من كمال الإيمان الترفع عن الطعن واللعن والتفحش والبذاءة، ومن نقصان الإيمان السقوط في شيء من تلك الحفر! ثم يخاطب الله نبيه صلى الله عليه وسلم، بقوله: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"، وقد علم سبحانه أن سياق الموعظة والمجادلة قد يتخلله شيء من الغلظة والقسوة فأرشد إلى "الحُسن"، فكان لزاماً على الداعية أن يحسن الخطاب وأن يحسن الوعظ وأن يحسن الجدل، سواء كان المدعو مسلماً أو غير مسلم. ويبقى هذا هو الأصل الذي تتفرع منه مناهج الدعوة والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتلك هي سنة نبينا صلى الله عليه وسلم التي بها يقتدي كل من تشرف بحمل رسالته. ** ** ** إذن ما حكاية البذاءة التي بدأت تغدو نمطاً في خطاب عدد من "الإسلاميين"؟ ليست القسوة أو الحدة أو الغلظة. بل البذاءة. مفردات فاحشة تتسلل إلى الخطاب الدعوي وتلوث نقاءه! القرآن بين أيديكم... تجدون فيه توصيف الكافر والمنافق والفاسق، وهي تعريفات محددة بمعايير موضوعية في سياقات معروفة، ولن تجد فيه كلمة فاحشة واحدة! والسنة بين أيديكم... تأملوا فيما ثبت عن نبيكم صلى الله عليه وسلم واقرؤوا سيرته التي امتدت ل 23 عاماً وهي تحكي لكم عن خلقه مع من آمن به ومع من خالف، وحين تطلب الأمر حزماً وشدة وصرامة وجدت كل ذلك في سياق لا ينقصه الأدب ولا تلوثه قذارات البشر! بل يأتي جمع من يهود المدينة إلى باب نبينا صلى الله عليه وسلم ويدعون عليه بالموت، وتغضب عائشة وتدعو عليهم باللعنة والغضب، ويتكلم نبي الرحمة: "مهلاً يا عائشة، عليك بالرفق، وإياك والعنف أو الفحش"، وفي رواية أنه قال: "إن الله لا يحب الفحش والتفحش" الفاعل: يهود. الجريمة: شتم سيد الأنبياء. ولا مبرر للفحش والتفحش. ويقول صلى الله عليه وسلم: " فإن الفحش لو كان رجلًا لكان رجل سوء" ذاك هو منهج النبوة. فمن أين جاءت هذه البذاءة؟ الجواب: من أنفسكم! ** ** ** الشتم شكل انفعالي من اللغة، وبه يعبر الإنسان عن تفاعلات نفسه في حالات الحزن أو الغضب، وقد تأخذ البذاءة حيزاً من هذا الشتم، ورغم أنه لا حجة تبرر السقوط في وحل البذاءة فإننا نتفهم أن الإنسان –وهو مجبول على الخطأ– قد يخطئ بين الفينة والأخرى، لكن يتوقع منه شيء اسمه... اعتذار! أما التبجح بها وقصد تكرارها وحشد الأعذار لها فهو مزيج يعكس عطباً نفسياً قد يصعب علاجه! ولا يتوقف الأمر هنا، بل أحدهم يرى أن من الصواب استخدام البذاءة في سياق الرد على المخالف والدفاع عن الدين! ويسرد لك أبياتاً قالها حسان بن ثابت في هجاء قريش وغيرهم، ولا يتذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن لحسان في هجاء "الكفار" الذين هجوا النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين وعرضوا بنسائهم، ولو أنك قرأت أبيات حسان لوجدت هجاء شديداً لكنه لا ينزل لوحل البذاءة التي يتلوث بها أصحابنا! ويحكي لك أن أبا بكر قد شتم أحد مشركي قريش بقوله "امصص بظر اللات" ولم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم، ولا يتذكر سياق القصة، وأنهم كانوا في حالة حرب، وأن المشرك قد لمز النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، فغضب أبو بكر وشتمه بما قال، وينسى أنها قصة نادرة تخرج من الإطار العام الذي يتسم به نهج أبي بكر والذي يتجلى في قصته مع إنسان شارك في نشر ما أشاعه المنافقون من قذف لابنته عائشة، واسمه "مسطح"، وهو قريب لأبي بكر وكان ينفق عليه، فلما نزلت آية براءة عائشة، قال أبو بكر "والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعدما قال لعائشة"... ما هذا يا أبا بكر؟ "والله لا أنفق على مسطح" ... فقط؟ هذا الرجل يقذف ابنتك وهذا موقفك؟ ما رأيك ب "والله لا أنفق على العاهر" أو "والله لا أنفق على الخنزير الفاسق"؟ لكنك أنت أنت... مكانك في السماء... لذا ترفعت عن قذر الأرض! ** ** ** إن مما يخادع به البذيء نفسه ظنه أن شتمه يُظهره بلباس الشجاعة، والعكس هو الصحيح، فالبذاءة في الخطاب تعكس ضعفاً في الحجة وجُبناً في الأداء، وربما لا يدرك من احترف البذاءة أن اختياره لتعليق يمزج البذاءة والذكاء -في سياق رده على مخالف أو إنكار على مذنب- لا يدل على ذكائه بل على عجزه عن "الأدب" أو استمتاعه ب "البذاءة"! كان العلماء يعتبون على الإمام ابن حزم حدة لسانه وشدته على خصومه ومن خالفه، و"جرمه" أنه كان يقسو عليهم ويشتد في الإنكار عليهم، فكيف لو أدركوا داعية لا يتورع عن قذف ربع نساء المسلمين بالعهر، ومفكراً يصف نصف آباء المجتمع بالدياثة، وإعلامياً يحشر مفردات "الجنس" تصريحاً وتلميحاً في سياق الإنكار على المخالف؟ قد نقبل منه زلة لسان مرة في السنة أو استسلام لغضبة تنال منه مرة في الصيف ومرة في الشتاء، لكن لا يقبل منه –وهو يرفع لافتة الدين– أن يلوث أبصارنا وأسماعنا وفضاءنا في كل يوم أو في كل أسبوع فيرتبط اسمه بخطاب شرس تسكن زواياه مفردات فاحشة، ثم ينسى الناس اسمه ويبقى ارتباط الفحش بالخطاب الدعوي! هذه الدعوة من أمر الله ونورها مستمد من مشكاة النبوة وليس من حق أحد أن يختزل منهج النبوة ونهج الصحابة في قصة أو قصتين ثم يبرر لنفسه أن بذاءته تخدم دين الله، ويرفع شعار: تعالوا نتقرب إلى الله بشيء من البذاءة وقليل من القذارة وعليها "رشة" سفاهة! ** ** ** إن كنت ترفع لافتة الدين فتذكر قول نبيك صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب معالي الأخلاق، ويكره سفسافها" أما تصفيق الناس لك وتشجيعهم وكثرة ال "رتوتة"... فهو وهم على وهم!