بعد عام تحلُّ الذكرى المئوية لاتفاقية «سايكس بيكو» التي قسَّمت المنطقة العربية في بلاد الشام والعراق، وما يجري اليوم في العراق والشام يُعيد للأذهان تلك الاتفاقية التي عقدتها فرنسا وبريطانيا، والتي رسمت حدود دول الشرق الأوسط الحالية ومهدت لوعد بلفور الذي اعتمدت عليه الحركة الصهيونية لإنشاء دولة إسرائيل في فلسطين. طريقة تعاطي الدول الغربية مع الأحداث التي تعصف بالمنطقة وبشكل خاص ما يجري في سورياوالعراق -وغياب مجلس الأمن الدولي عن هذه الأحداث- لم تكن نتيجة «الفيتو» أو ما يسمى انقساماً في مواقف هذه الدول، بل تُقرَأ خلفه تفاهمات أُنجِزَت على مستقبل المنطقة. تصريحات كثيرة صدرت عن مسؤولين كبار في دول غربية وحملت دلالات واضحة عن مخطط يرسم حدوداً جديدة في المنطقة على شاكلة «سايكس بيكو»، وتناغمت مع تصريحات لمسؤولين إقليميين، ما يثير الشكوك في النيات الغربية تجاه الأحداث التي تعصف بالمنطقة، ويمهد لتكريس واقع وحدود جديدة ترسمه بنادق المتحاربين في العراقوسوريا، مع ملاحظة أن الانحياز الغربي بات محسوماً لطرف دون آخر، وهذا ما بدا جلياً في سوريا من خلال الحفاظ على نظام بشار الأسد وغض النظر عن جرائمه، ويتضح اليوم أكثر في أحداث العراق. إعادة إيران إلى الحظيرة الدولية مع الاعتراف الغربي بطموحاتها في توسيع نفوذها والإقرار به بات واضحاً وبشكل خاص في سوريا ولبنان والعراق، ما يعكس أن أموراً خطيرة تُحيكها الدوائر الغربية لإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط من جديد لكن بطريقة أسوأ مما أحدثته اتفاقية «سايكس بيكو». أنتجت اتفاقية «سايكس بيكو» في القرن الماضي دولاً وطنية، وقسَّمت المنطقة العربية وفقاً لمصالح فرنسا وبريطانيا الدولتين الاستعماريتين آنذاك، أما اليوم فيبدو أن خارطة جديدة بدأت معالمها تتضح، لكن هذه المرة يُراد لها أن تنتج دويلات على أسس مذهبية لا تملك أي مقومات الدولة، إنما هي كيانات صغيرة تفتِّت الدولة وتُصمَّم خدمةً لمصالح دول إقليمية تحافظ على مصالح الغرب وتدير حرباً مذهبية طويلة الأجل.