أقصد بالغجر بلاد الغربة والبعد والشقاء والمعاناة فليفهم القارئ. قال لي الأخ الفاضل عبد الوهاب العريض إنه من الأهمية بمكان أن تذكر للقراء تجربتك الشخصية عن رحلاتك في الأرض فقد احتككت بعديد من الثقافات والأقوام واللغات، وهو أمر لا يصح ولا يحدث لكل واحد. وافقته الرأي وسوف أحاول أن أنقل بعضا من ذكرياتي من ثلاثة حقول ومناطق؛ الأولى تجربتي من سوريا قبل أن أغادرها، توزعت بين نصفين الأول حتى سن 18 عاما في مدينة القامشلي العجيبة، ثم في دمشق حيث درست الطب وتصاهرت مع الأستاذ (جودت سعيد) فأكرمني بخير ما تفعل عائلة مع شاب ناشئ في عبادة الله، بأن تزوجت من (ليلى سعيد) التي أنشأت لنا عائلة سعيدة مثقفة، وبقيت في ديار البعث حتى أصبحت في سن 28 عاما، حين شعرت أن سوريا لم تبق دار مقام كما أثبتت الأحداث. لقد تحولت إلى مستعمرة بعثية طائفية بقوات احتلال أسدية. ذكرياتي في القامشلي كريهة؛ فهي مدينة لا أحبها ولا أحب العودة إليها، إلا من أجل قراءة سورة «ياسين» على قبر والدي وحليمة صديقة والدتي. وربما تنفع القراءة أيضا من بعد؛ فالله يقول في سورة النجم (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى * وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى). أما دمشق فهي المكان الذي تفتحت فيه وبنيت العلاقات وفيها تزوجت، وفي الجولان بنيت لنفسي بيتاً أردت التقاعد فيه فاستولى عليه جيش (أبو شحاطة) فاحتله ونهبه كما فعل مع ملايين المنازل في سوريا فهو اليوم أطلال يبكي، وعواميد ترثي وهي عيدان. ثم بعدها تجربة تسع سنين إلا قليلا في ألمانيا وأوروبا (من يناير 1975 حتى أوجست 1983) تنقلت فيها بين (ست) مدن ومشافي ومحطات من بافاريا (مدينة سيلب Selb) حيث اشتغلت مع شيف بغيض عنصري يصرخ مثل طرزان في الغابات في قاعة العمليات حتى فارقته غير مأسوف عليه فقد كان نباحا على بوابة ألمانيا؛ فأبدلني الله خيرا منه في الشمال في أولدنبورج (Oldenburg) مدينة الفيلسوف (ياسبرز Jaspers) حيث عملت مع محاضر هادئ من جامعة (جوتنجنGottingen ) هو (كروني مون تسي بروك)، وعنده تسلمت أولى عملياتي الجراحية. الأول العنصري البافاري تقريبا لم أتسلم عنده أي عمليات على مدى سنة ونصف السنة سوى الزعيق والبعيق في قاعة العمليات. في الجراحة لابد من العمل اليدوي وإجراء أكبر قدر من العمليات. ولم يكن سهلا في ألمانيا. ثم انتقلت إلى مدينة صناعة سيارات الفولكس فاجن فولفسبورج (Wolfsburg) حيث عملت مع شيف مجرم وجهه يذكر بالبوم وكان اسمه كذلك (بومه) حيث قضيت عنده سبعة أشهر حافلات بالتنغيص والتحقير. كان جبارا معتدا بنفسه متعاليا يصعب الحديث معه شديد اللؤم غدارا يطعن حتى ودعته إلى من هو خير وأقرب رحما هو البروفسور (بوركهاردت) في مدينة القيصر (غليوم) (Wilhelmshaven) في الشمال حيث كان مرفأ حربيا من قبل.