في 15 دقيقة و34 ثانية كان الدكتور الجراح البارع معاذ قد أنهى عملية استئصال الحويصل المراري الفاسد. تابعت العملية من الكاميرا التي تصور وتسجل وتوثق مراحل العملية. ذهلت من دخوله الجريء، وإحاطته بعلم التشريح، وأسرار الفسيولوجيا، ومعرفته مسارات المكان، وتبينه جدار المرارة من اختباء الشريان، وهبوط عنق المرارة، من القناة الجامعة المرارية (CBD) حاملة المادة الذهبية إلى الأمعاء، التي يجب ألا تمس وتجرح وتثقب وتعطب. غبطته على إحساسه بالخطر؟ أين يضع ذراع الإمساك (يسمونه فم التمساح الكروكوديل Crocodile) أين يحرق؟ أين ينفخ؟ وأين يشفط؟ أين يزيل؟ أين يبعد؟ أين يسلخ ويكشف؟ وأين يدفع الضغط داخل البطن حتى 13؟. خلال كل هذا كان هذا الجراح المبدع لا يكف عن النكتة والتعليق والمرح، ينشرها بروح المتمكن في مفاصل كل الفريق الطبي، فتتجاوب معها النفوس في قاعة العمليات بهجة مملوءة بالثقة والتمكن، كل هذا مع الشرح عن أسرار العملية وماذا يمسك؟ وماذا يزيل ويقطع؟ تعليما وتدريسا لمن حوله. كنت مع كل حركة من أصابعه الجميلة أكرر الآية (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين). تذكرت نفسي في ألمانيا في مشفى (راينهارد نيتر Rheinhardt-Nieter-Krankenhaus) في مدينة القيصر غليوم (فيلهلمسهافن Wilhelmshaven) حيث كنت أتدرب. غرفة عمليات المرارة كانت مستقلة. فيها جهاز قياس الضغط في الطرق المرارية، فضلا عن عمليات التصوير الظليل. كان إغلاق البطن لوحده يأخذ أكثر من نصف ساعة، أي ضعف الوقت الذي استهلكهالجراح معاذ، الذي يعمل في مدينة صغيرة تبعد عن الرياض 160 كم في مشفى يطل بجماله على الطريق السريع، قائما بهيبة وجلال بهجة للناظرين وراحة للمرضى والمتعبين، وفخرا للإدارة والمدينة وإنجازات وزارة الصحة. هكذا كانت الأمور في عمليات المرارة وأين صارت. كنا نضع المصرفات (Drains) في البطن بعد إنهاء العملية، والاحتفاظ بالمريض عشر ليال عددا، قبل صرفه للبيت، والدكتور معاذ يرسل مريضه إلى أهله حبورا في ساعات. أتذكر جيدا بدايات هذا اللون من الجراحة. كنا نقص البطن فتحا إما تحت الأضلاع أو امتدادا بجنب السرة. اليوم ثلاثة ثقوب تكاد لا ترى وينتهي كل شيء. هكذا يتقدم الطب بآلية الحذف والإضافة. لقد تقدم الطب في عتبة جديدة حاليا حتى دون شقوق وفتحات بل الدخول من الفتحات الطبيعية من حلق ومهبل، فيدخل المنظار فيشق جدار المعدة فيهبط إلى المرارة وسواها فيقص ويزيل ويرقع ويلحم ثم يخرج من حيث دخل فيرتق ما فتق، فينهض المريض إلى الصحة مسبحا الرحمن الرحيم الذي علَّم الإنسان ما لم يعلم.