المجتمع السعودي؛ مجتمع شبابي، إذ يمثل هذا القطاع قرابة ال 65% من إجمالي باقي شرائح المجتمع المختلفة. وإذا كانت البطالة متفشية في هذا الوسط، فهل هو بحاجة إلى قرارات أو قوانين تسهم في زيادة أو تضخيم هذه الظاهرة المقلقة في المجتمع السعودي؟ ويمثل هذا الرأي محصلة لمجموعة من الخبراء والمختصين استقصت «الشرق» آراءهم بعد اقتراح قدمه مجلس الشورى الخاص بدراسة رفع سن التقاعد إلى 62 عاماً. وفي الوقت الذي أيد عدد من الشريحة المستقصاة هذا التوجه، مؤكدين أن الموظف يكون في قمة عطائه خلال هذه المرحلة، رأى آخرون أن هذه التوصية متى ما أقرت ستكون حجر عثرة أمام عديد من الشباب، وستقلل من فرص حصولهم على وظائف، وتسهم في زيادة المدة التي ينتظرها من أجل الحصول على عمل. في البداية، قال رئيس لجنة الموارد البشرية في غرفة الشرقية صالح الحميدان: لا أعرف ما المبرر وراء صدور توصية برفع سن التقاعد إلى 62 عاماً، مضيفاً أن رفع سن التقاعد في كثير من الدول خاضع لعدة اعتبارات، من بينها النقص في القوى العاملة، موضحاً أن المملكة يفترض فيها التوجه إلى تقليل سن التقاعد، وذلك لإتاحة الفرصة أمام الأعداد الكبيرة التي تنتظر الحصول على وظائف، كما أن المتقاعد يتيح المجال للعناصر الشابة في شغل الوظائف. وذكر الحميدان أن أداء الموظف ليس مرتبطاً بالضرورة بعمره، بعض الوظائف ميدانية تتطلب شباباً، أما الوظائف المكتبية فلا يمنع شغلها بكبار السن، وبخاصة الوظائف ذات الطابع الفكري والتخطيطي. وبيَّن أنه على الرغم من الاختلاف إلا أنه لا يرى ضرورة في رفع سن التقاعد، ويمكن الاستفادة ممن بلغ سن التقاعد بتحويله إلى مستشار أو يمكن استثناء بعضهم من القادرين على العطاء، وهذا قرار يخضع لصاحب العمل وبرغبة الموظف. وقال إن استمرار الموظف البالغ ستين عاماً في عمله يكون بالاتفاق بين الطرفين، ومتى ما فضّل الموظف التقاعد يمكنه ذلك، وإذا فضّل الاستمرار فإن ذلك يتم بموافقة صاحب العمل، وينطبق الأمر على القطاعين العام والخاص. من جانبه، تساءل رئيس لجنة الأعمال السعودي المصري، الدكتور عبدالله دحلان عن الأسباب التي دفعت المجلس لتمديد فترة سن التقاعد، مبدياً عدم اتفاقه مع تعميم هذا المقترح في حال صدوره على جميع الموظفين حتى أن كان الهدف زيادة تمويل صندوق التقاعد لأن يفي بالتزاماته. وقال: نعاني حالياً من مشكلة البطالة، وسوف يسهم ذلك في عدم تحريك السلم الوظيفي لو استمررنا في تمديد فترات سن التقاعد، لأن هناك كثيرين ينتظرون تلك الأماكن الشاغرة للالتحاق بها، وبالتالي سيتأخر انتظارهم لعامين إضافيين ما يعطل حركة السير الوظيفي. وأشار دحلان إلى أنه في ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية وما يشهده من متغيرات فلا بد أن يكون التوجه إلى توظيف مزيد من الشباب السعودي أفضل من إبقاء سن التقاعد عند ستين عاماً، ويستثنى منهم المتميزون، وهم فئة ينبغي أن ينظر إليهم بعين الاعتبار، ولهذا أنا لست مع تعميم القرار. أما المحلل والخبير الاقتصادي فضل البوعينين فاعتبر أن رفع سن التقاعد إلى 62 عاماً سيكون مفيداً للتأمينات الاجتماعية ومعاشات التقاعد، لكنه سوف يكون مضراً بالموظفين، الذين يعتبرون هذه المرحلة فترة حرجة ويحتاج فيها الموظف للتفرغ التام لأسرته، لذا لستُ مع رفع السن التقاعدية على العموم، ولكن مع رفع سن التقاعدية في القطاعات العسكرية، التي يتم فيها تقاعد العسكري في مراحل متقدمة من العمر. وأضاف البوعينين قائلاً: كنت أتمنى من مجلس الشورى أن يناقش المزايا التي يفترض أن يتحصل عليها المتقاعدون كالتأمين الطبي والعلاوة السنوية والقروض العقارية، وهي أكثر نفعاً للمتقاعدين. وقال: إن مؤسستي التأمينات والتقاعد تحاولان معالجة أخطائهما الاستثمارية من خلال إطالة أمد عمل الموظفين وزيادة سن التقاعد، بدلاً من التركيز على تنظيم استثماراتهما وتعويض التزاماتهما المستقبلية للمتقاعدين. وأوضح أن هاتين المؤسستين في حاجة إلى تحقيق كفاءة الاستثمار فيما لديهما من أصول كان مؤملاً خلال الأربعين سنة الماضية، بحيث أن تتحول إلى أربعة أضعاف ما هي عليه اليوم لو أديرت بالشكل المطلوب، وبالتالي يجب ألا نضع أخطاء الإدارة الاستثمارية على المتقاعدين ونطالبهم بالاستمرار في العمل خوفاً من عجز صندوقي التأمينات والتقاعد مستقبلاً. أما نائب رئيس غرفة الأحساء يوسف الطريفي، فقد شدد على أن الموظف يكون في قمة عطائه ونضجه في هذه السن، بل إنه يمكن أن يستمر في العمل حتى سن 65 عاماً، مؤكداً أهمية الاستفادة من تجربتهم وإسهامهم في تنمية الاقتصاد بدلاً من إحالته إلى التقاعد، كما أن جيل الشباب سوف يستفيد من هذه الخبرات التي تمرست في العمل من خلال قربه منهم والاطلاع على تجاربهم. وأشار الطريفي إلى أن عديداً من مؤسسات القطاع الخاص تستفيد من هؤلاء، خصوصاً مَنْ عمل منهم في مناصب قيادية من خلال استقطابهم للعمل في تلك المؤسسات وتدريب الموظفين لديهم. من جهته، عارض رجل الأعمال عبدالوهاب الحمام رأي الطريفي، مؤكداً أن نسبة الشباب في المجتمع السعودي تتجاوز 65% والأمر يتطلب توفير فرص وظيفية لهم سواء في القطاعين الحكومي أو الخاص، وقال: تمديد سن التقاعد مع الوضع الاقتصادي الذي يعيشه العالم بسبب ارتفاع الأسعار وثبات دخول شريحة كبيرة من أبناء المجتمع سيجبر عدداً كبيراً من الموظفين على الاستمرار في العمل، وهذا ما سيحرم الأجيال القادمة من الحصول على الوظيفة المناسبة. فيما أكد رجل الأعمال مشعل الخرس أن تمديد سن التقاعد إلى 62 عاماً يجب أن يقتصر على الوظائف القيادية والفنية، ولا يشمل جميع الوظائف، مؤكداً أهمية الاستفادة من بعض الخبرات في هذا المجال من خلال عمل الشباب تحت قيادتهم، وطالب الخرس بإخضاع الموضوع لدراسة متكاملة قبل إقراره والحصول على رأي الموظف، فهو المعني أولاً بالأمر، وفي حالة جدوى ذلك للمجتمع واقتصاد البلاد يجب إقراره.