عُرف المجتمع السعودي بمستوى عالٍ من الترابط الأسري, وفي نفس الوقت يمر هذا المجتمع بمرحلة أصبح فيها من الطبيعي أن يتنقل أبناؤه بين مناطقه المختلفة بحثاً عن الرزق, والوظيفة الأفضل, فالمنطقة الشرقية على سبيل المثال, وبسبب تواجد شركات كبرى كأرامكو, وسابك, والشركات الأخرى في المدينة الصناعية بالجبيل, أصبحت من أكثر المناطق جذباً للسعوديين من مختلف المناطق للعمل بها، إضافة إلى فرص العمل المتعددة في القطاعات الحكومية المختلفة. أقيم في المنطقة الشرقية منذ أكثر من عشرين عاماً, وذلك منذ التحاقي بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن لدراسة البكالوريوس, ولأنني الفرد الوحيد من العائلة المقيم في المنطقة الشرقية فإن لي تجارب كثيرة ومختلفة, مع التنقل بين أنحاء المملكة, خلال إجازات الأعياد, وخصوصاً للمدينة المنورة تحديداً, حيث تقيم والدتي حفظها الله, ويجتمع باقي أفراد العائلة عادة خلال الأعياد في بيتها.
لن أتحدث عن تجارب ماضية بعيدة, ولكن سأتحدث عن تجربتي الأخيرة خلال إجازة عيد الأضحى المبارك لهذا العام, فالبداية كانت مع قرار الخطوط السعودية بتحديد موعد شراء التذاكر بأربعة أيام فقط من تاريخ الحجز، وهى فكرة تبدو جميلة ومفيدة للخطوط السعودية لكنها مضرة بعملائها، لأنني اضطررت للحجز وشراء التذاكر قبل موعد السفر بعدة أشهر, وكان من الطبيعي أن تتغير بعض خطط السفر, وبالتالي فإن الخطوط السعودية ستعاقبني على التزامي بالحجز المبكر وشراء التذاكر, بالخصم عند استرجاع التذاكر التي لم أستخدمها!, للأمانة رحلتي من الدمام للمدينة المنورة على متن الخطوط السعودية كانت ممتازة في كل شئ لدرجة أن الطائرة حطت في مطار الأمير محمد بن عبد العزيز قبل موعد الوصول المتوقع بحوالي عشر دقائق.
ولظروف عائلية سعيدة كانت زوجتي وطفليَّ بحاجة لقضاء العيد في الرياض, ولأنني مواطن طيب و”غلبان”, قام موظف الخطوط السعودية بإلغاء كامل حجز زوجتي وأطفالي من الدمام إلى الرياض بدل من أن يلغي جزء من الحجز فقط, كما طلبت منه. وللأسف لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يقوم بها ذات الموظف بخطأ كهذا, ولم يكن بيدي فعل شيء لتصحيح الخطأ سوى حنقي الشديد من هذا الخطأ, ومع هذا لم أقم بذلك لأن المقاعد طارت ولن تعود إن أظهرت غضبي, البديل الوحيد المتوافر كان قطار الدّمام الرياض في رحلة تستمر لحوالي خمس ساعات, وسعر تذكرة الدرجة الممتازة (الرحاب) مقارب لسعر رحلة الطائرة, وداخل كبينة باردة جداً لدرجة أن طفليَّ أصيبا بالزكام والكحة منذ سفرهم على القطار منذ أكثر من أسبوع وحتى هذه اللحظة.
لتجنب برودة كبينة القطار العالية قررت العودة من الرياض للدمام بالسيارة بعد استئجار سيارة, لتستمر الرحلة أكثر من أربع ساعات على طريق مزدحم بالسيارات, التي بدا لي من قيادة بعضهم أنه كان منخرط في سباق من أجل الفوز بالمركز الأول في سباق “فورملا ون”, غير أن هذا المتسابق لا يحظى بالتقدير والتغطية العالمية التي يستحقها؛ وسط تلك الرحلة الشيقة مررنا برحلة أخرى للبحث عن دورة مياه مناسبة للاستخدام الآدمي تقبل طفلتي باستخدامها, وبعد الوقوف في أربع محطات مختلفة لم نجد محطة واحدة بها حمامات يمكن استخدامها في طريق سريع يستخدمه ألاف المسافرين, من بينهم حجاج بيت الله الحرام الآتون من دول أخرى في المنطقة.
لا توجد لدي إحصاءات بعدد المسافرين براً أو وجواً بين مدن المملكة بشكل يومي، ولكن من خلال تجارب سنوات طويلة وبصورة دورية متكررة أعتقد أن هناك خلل جذري, واضح في قطاع خدمات النقل الجوي, والبري في بلد شاسع المساحة, وفي نفس الوقت يملك قدرات مالية واقتصادية ضخمة.