أرسل لي أحد القراء الحذاق في اللغة أنني يجب أن أمرر مقالتي دوماً تحت عدسة نحوي لأنني أخطأت في النحو ولن أندم على نصيحته قط، فقد كتبت كذا وكان يجب أن أكتب كذا؟ وكان يجب أن أصفق لهذا الاكتشاف الفلكي. وأذكر من قصص المتقعرين أن أحدهم حضر وفاة نحوي فأراد أن يعزيه بكلمات فقال النحوي: يرحمك الله ليس هكذا يعزى بل يجب أن تقول عافاك الله من العداد، وأراحك من الحلج، ورفع عنك التوصيم. لا تقلق من العلز، أو تتوجع من العلوص. قد عرقت بالرحضاء. موم معها برسام. أردمت عليك الحمى، وأنت مثن ومبطون. لقست نفسك تصهي من جرحك. تكاد تموت بالقرت، ولكني أتفاءل أن يحمص ورمك، ويتقشقش جلدك. تقترب من المطر غش، وأن لا تفيظ نفسك قبل أن ترى سؤلك!! وأذكر من كتابي (الطب محراب الإيمان) وكان أول كتاب أكتبه؛ فأردت أن أجرب حظي مع نحويين من الفطاحل؛ فأما الأول فقد أرسل النسخة وقد تغير لونها من الأزرق إلى الأحمر من كثرة الشطب والتصحيح. وقال عن عملي إنه كارثة لغوية، ولا يصلح أن يقرأه طلاب الصف الأول الابتدائي، وأنه لو عكف على التصحيح لاحتاج الجهد والوقت ولا يصلح مثل هذا الكتاب. وأما الثاني (رحمه الله) فقد قابلته بعد فترة فسألته فضحك وقال ماذا أصحح؟ كله غلط فهل تريد مني أن أعيد صياغة الكتاب. كنت أعرف الحسد وماذا يفعل في القلوب لشاب في أول عمره يقدم على مغامرة علمية كبرى، ليكتب في رسالة التخرج كتاباً ضخماً موثقاً. بعدها طبع الكتاب عشرات الطبعات منها المسروقة ولم يبق بلد عربي لم يدخله، وأرسل لي نقيب الأطباء من مصر خطاباً يستأذن فيه بطباعة الكتاب لطلاب كلية الطب بطبعة شعبية رخيصة. وفي يوم قابلني رئيس الاستخبارات الأردني الأسبق وقال لي لو تعلم أنني أهديت كتابك لكل الناس بمن فيهم النصارى. وفي القصيم اجتمعت برجل من أهل الفكر فقال جاء كتابك في وقت مثل المطر الذي تنتظره الأرض فوزعت منه هدايا بالعشرات. وقابلني طبيب سعودي فهجم علي وقبل رأسي وقال لو تعرف ما ذا فعل بي كتابك فليباركك الله. وهذه الأيام طبع الكتاب طبعة خاصة لصالح المعارف في المملكة بجزأيه على أن يوزع على مكتبات مدارس البنات فيما أخبرت. وأنا لا أريد الدعاية لكتابي فقد انتشر ما فيه الكفاية ولكن أروي حكايتي مع النحويين المتقعرين. وبالمناسبة فقد كتبت كتابي الطب محراب الإيمان دون بروفة واحدة وكتبته في شهر كامل وبيني وبين امتحانات التخرج شهران، وكان نوعاً من الإلهام العجيب وأنا أتعجب من تأليفه حتى اليوم. (قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين).