صغيرة كنتِ، أحلامكِ لا تتعدى حدود ثوبكِ المنفوش، تتعاملين مع الحياة بابتسامة طفلة لا يسعها غير ذلك، لا تفقهين شيئاً سوى أنكِ ستضعين قدمكِ على أرض رطبة بماء المعرفة. أغمضتِ عينيك لتفتحيها بصورة أنثى تداعب النسمات شعرها الطويل الأسود وابتسامتها البريئة بنكهة ربما تكون مميزة عند شخص. ما مضى من عمرك أكبر بكثير من نسيانك له، كبرتِ ومازالت تلك الطفلة تقبع بداخلك . كالمطر أنتِ تشعرين، كالليل الذي ينتظر النهار، وكمسن يتردد كل يوم على نفس المقعد ليفاجأ أنه تحول إلى جنة. أتذكرين أول يوم لك في الدراسة كيف كنتِ؟ كنت كمن يبحث عن وجه يعرفه بين مئات الملامح التي لم تريها يوماً، في وقتها وصلك شعور بأنه لا يوجد سوى وجهكِ العابس بينما أصوات الضحكات تتعالى من حين لآخر، ربما كنت اجتماعيةً بما يكفي لتتعرفي على قليل منهم وتصطدمى بكثير، تمنيتِ لو كنتِ هادئة، مترددة ولستِ مندفعة لئلا تمر عليك تلك الأحداث جميعها، فالحياة واحدة ليس بمقدوركِ تحملها وهي ملأتك وأغرقتكِ أيضاً. متبلدة إلى حد ما، مصدومة بكِ، أنا سأتخرج حقاً. أتى يوم تخرجك راكضاً، سريعاً جداً، على خلاف زحف تلك السنوات التي كنتِ تتوقين للنيل منه، بسيط ليس كما كان يخُيل لكِ، ربما جعلتِ منهُ حلما ًصعب المراس ولكنه الآن يحتضنك بدفء، ليس دفء الأمومة بل دفء غربةٍ أبت إلا أن تحول صدركِ إلى جليد … خائفة أنتِ… ستشعرين بأنك عارية أمام العالم، وباسمك المجرد دون لقب طالبة، لم تعودِي تلك الطفلة التي تخطئ فيغفروا لها، الآن على عاتقكِ اسم قادرة على حمله دون لقب يحميه ويحميك. مميزون أنتم، لا لن تكونوا كغيركم أبداً، فتلك الأيدي التي رمت بقبعات التخرج عالياً لن تتردد في إيصال جميع أحلامها إلى أعلى نقطة في المستحيل. هيا يكفيكِ تبلداً. عيشي كما تريدين و ليس كما يجب، اضحكِي و كأنك الشخص الوحيد الذي بمقدوره فعل ذلك، امسحي جميع ما مضى بعباءة تخرجك و امضي.