ابنتي العزيزة: أعلم انّك في مرحلة عمريّة حرجة... وأعلم معاناتك في عنفوان النضج والاحتجاج حيث تتعارك الطفلة والأنثى في جسد صغير واحد... وأعلم انّكِ (يا قرة عيني) كبرتِ ولم تعودي تحبي الهدايا ذات اللون الوردي فأنتِ أصبحت فتاة ناضجة(كما ترددين). ولا أدلّ على ذلك من مكوثك الطويل أمام المرآة للتأكد من زينتك وحسن تناسق الألوان. أعلم يا ابنتي كل هذا ولكنك لا زلتِ في نظري أيضا تلك صغيرتي التي تنتظرني خلف الباب لأناديها وأخرج لها قطعة الحلوى كلما عدت من سفري. أنتِ لم تكبري بعد في عيوني والدليل الآخر أنني لا زلت اشتري لك دمية "الدبة" وأحضر لك القصص الملوّنة. لا تظنين أنّي لم أستوعب الزمن وكيف عبرتِ كل هذه السنوات لتقفي أمامي اليوم ثائرة تتساءلين وتحتجين كيف أنّني لا أفهمك، بعد أن كنتِ تهددين الناس بأبيك الذي أشغلتِ الكون كله بالحديث عن سيرته وعبقريته. اعلمُ يا شمس حياتي أن هذا السلوك -الذي لن أغيره- يغضبك في بعض الأحيان ويرضيك في أحيان أخرى. ابنتي العزيزة: أراكِ منذ مدّة لا تسمحين لأحد بلمس هاتفك (الجوال) أو الاقتراب من جهاز الحاسب الخاص بك، وألاحظ أن معظم أسئلتك هي في كيفية تأمين أجهزتك من عيون الفضوليين. صغيرتي الحبيبة: هذا حق لك وأجهزتك، وغرفتك سيبقى لها خصوصيتها واحترامها وهذا أمر لا جدال فيه ويعرفه أهل البيت كلّهم. أتذكرين (يا نور عيوني) كيف عنّفت أخاك حينما نقل معلومة خاصة وحسّاسة كان عرفها من جهازك النقّال في غفلة منك. تلك المعلومة أقلقتني كثيراً ولم أهنأ بعدها بنومي ولا شك أن لثورة أخيك ما يبررها ولكنني يومها رأيتك ابنتي الصغيرة التي تحتاجني إلى قربها كما لم تحتاجني في كل ما مضى من عمرها. صغيرتي وحبة قلبي: إن شاشة الهاتف الجوّال التي قد تحمل لك المقاطع العاطفية، وربما الرسائل الرومانسية والقلوب الحمراء صباح مساء لن تشبع روحك ولن تملأ وجدانك سوى بالمزيد من الخيالات والأحلام التي سرعان ما تنهار لحظة أول مواجهة مع الواقع. أعلم أن حولكِ من يرين هذا تطوراً طبيعياً وسلوكاً عصرياً.. وأعلم أنّهن وأنّهم يصورون البنت التي لا تمشي في أزقة الإنترنت وتلتقط نثار حلمها بصور الجمود والتخلف. وأعلم أيضا أنّهن وأنّهم يتحدثون بازدراء عن كل فتاة لا تتسوّل الاهتمام ولفت النظر بعينيها وجوالها وحركاتها في السوق والمطعم والمقهى. حبيبتي: قولي لهم إنّ من يتسوّل الحب والاهتمام في الظلام قد يجد من يبيعه (مقدماً) حباً مغشوشاً ولكن الثمن (المؤخر) لا يمكن تسديده إلاّ بأحزان بقية العمر. يا فرحة أيامي: لا تلقي بقلبك على قارعة الطريق فقد تبدأ مغامرة لذيذة وتنتهي مأساة مدويّة على كل الشاشات. اسمعيني (يا بنتي)... الحب لا يأتي عبر الشاشة! قال ومضى:(لا تصدقيه) فمن يقطف الوردة لا يملك أن يعيد إليها النضارة.