كلما جلست مع نفر من التربويين، تجدنا نحاول أن نفكك النفسية المظلمة التي تمارس النزوة والترهات الحماسية. هدفنا غالباً ليس إجهاض ذلك الحماس الشبابي الوثّاب، فنحن لا نريد لتلك الحماسة أن تخبو، بل نريد لها أن تتجه الوجهة الصحيحة للوصول إلى حالة الصحو الذهني المُفضِي إلى الوعي والرشد ومن ثم المنافسة بسواعد أولئك الشباب في السباق الحضاري المعاصر. ما زلنا نحن معشر التربويين ذاهلين عن الطريقة الصحيحة لغرس القيم الفاضلة، فمعظمنا لا يعرف خطوات غرس القيم ولا نتجاوز الخطوة الأولى في تكريسها في نفوس المتعلمين. إننا نطرق القيم فنبدأ بالوعظ ولا نتمرحل في تطبيق باقي الخطوات، فكل قيمة يُراد لها أن تُغرس في مجموعة من الشبيبة لا بد أن تمر بأربع مراحل وكل مرحلة تحتوي على عدد من المناشط. وهذه المراحل هي: التوعية – التحقق من الفهم – التطبيق – ثم التعزيز والمحاسبة. يقول خبراء التربية إن كل سلوك خاطئ يعني غياب قيمة من القيم. فإذا وجدت الولد يمارس التحرش فهذا يعني غياب قيمة العفة لديه، وإذا وجدته يعاصي قواعد المرور فهذا يعني غياب قيمة الانضباط وإذا كان يمارس التنمّر على من هو أضعف حالاً منه أو أقل عُمراً فلغياب قيمة المروءة أو أن لديه خللاً خطيراً في مفهوم البطولة والفروسية. وإذا كان قاسياً فلغياب قيمة الرحمة. إذا أردنا معالجة السلوك السلبي فلا مندوحة من غرس القيمة المضادة لهذا السلوك، فالبخل علاجه غرس قيمة الكرم، والكذب علاجه قيمة الصدق، والإسراف علاجه قيمة الترشيد، والأنانية تعالج بغرس قيمة التعاون والعمل الجماعي. وقبل أن نطبق كل هذا، علينا أن نتعرف على السُّلّم القيمي لدى كل فرد من أفراد المجموعة المستهدفة، لأن استبطان سُلم القيم كفيل بإظهار كثير من أسباب السلوكات الخاطئة لدى الشباب. فكل إنسان لديه قيمة معينة تعتلي رأس السُّلّم وهذه القيمة سلبية كانت أو إيجابية، اكتسبها من البيئة المحيطة التي عاش فيها، وهي التي يتمحور حولها سلوكه وتصرفاته.