في الوقت الذي تزداد فيه الضغوط الحياتية والمعيشية على الشباب أجمع، وتتنازع البعض منهم تيارات شتى، حيث تتفشى بينهم صيحات الموضة وأنماط السلوك الغريبة التي تتصادم مع العادات والتقاليد والأسس التي بنيت عليها المجتمعات، نجد في الوقت نفسه فئة من الشباب تكد وتتعب وتحرص على تحصيل العلم، والمواظبة على حضور حلق التحفيظ، ومسابقات القرآن المحلية والدولية، واستطاعت من خلال جهودها تحقيق انجازات يحتذي بها في الدعوة والتربية الرياضة والفن والثقافة والعلوم، مما حدا (بالرسالة) إلى التوجه لمجموعة من العلماء والمختصين، للبحث في كيفية تعزيز القيم والأخلاقيات لدى الشباب، ومواجهة تيارات الانحلال والانحراف التي تستهدفهم، وتحاول جرهم إلى الهاوية وبخاصة نحن مقبلون على إجازة صيفية؟ في البدء أكد عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور عبدالله بن محمد العمرو الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام في تعزيز القيم والأخلاق في المجتمع، وطالب بتنقية وسائل الإعلام مما يخل بالقيم الإسلامية أو يتنافى معها، لتبقى حية ندية في ضمير المسلم، وأضاف لا بد من العمل على إبراز القيم والأخلاق، وإظهار العناية بها من خلال مناهج التعليم ووسائل الإعلام ومن المربين والدعاة، وسائر منابر التوجيه، وان تتضافر الجهود في ذلك وتتابع حتى تترسخ في النفوس، ويتنامى أثرها لا في واقع الحياة، وينعم المجتمع بأثرها الخيرة. فهم الشباب بدوره طالب رئيس تحرير مجلة البلسم والمختص بقضايا الشباب الدكتور عبدالرحمن السلطان انه لا بد أولا من تفهم طبيعة الشباب ومشكلاتهم، فهم لا يفكرون كما نفكر نحن وطموحاتهم بالطبع مختلفة عن طموحاتنا، كما كنا نحن مختلفين عن آبائنا، الزمن تغير والأوضاع تغيرت، ولا بد من التفرقة بين ما هو ثابت وما هو متغير. وقال: علينا أن نعترف أن هناك أزمة تعيشها المجتمعات العربية والإسلامية، أزمة قيم وأزمة ثقة بين الأجيال، وعدم وجود جسور للتواصل بينها، أما أن يمارس «البعض» دور «الوصاية» ويرفض المناقشة والاستماع للآخرين وبخاصة من الشباب، أو القطيعة والإهمال، وهو ما يؤدي إلى حدوث مشكلات كبيرة وفجوات لا بد من سدها. وأشار إلى ضرورة استيعاب الشباب، وفتح المجالات أمامهم للعمل والإبداع والقيادة وإبراز مواهبهم، لا الحجر عليهم وتنحيتهم جانبا، مشيرا إلى من يتولون عشرات المناصب ولا يعطون في اي منصب بالقطع، في حين نرى كفاءات شبابية لا تعطى الفرصة، فالقيم تكون في كل شيء ولا تتضخم في جانب وتنعدم في جانب اخر. وأوضح السلطان أن الشباب الآن يمسكون بالتقنية في أيديهم ومنفتحون على العالم، ويتابعون أدق التفاصيل، ويتفاعلون مع بعضهم البعض عبر شبكات التواصل الاجتماعي التي تعج بالأفكار والأطروحات والرؤى التي قد نوافق عليها أم لا نوافق عليها، ولكن لا احد يستطيع الحجر على الآخر أو المنع للأفكار فهذا زمن انتهى ولا اعتقد أن سيعود، ولكن ما نريده أن نعمل على تحصين هؤلاء الشباب وتعزيز منظومة القيم لديهم، لتكون حائط صد ضد هذه التيارات المختلفة التي تستهدف الشباب. قيم وافدة ونبه الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود، الداعية الدكتور محمد بن عبدالله الدويش أن عملية غرس القيم وحمايتها ليست مقصورة على مؤسسة بعينها، ولا مرحلة من مراحل العمر دون سواها، فهي جزء من حدود الله، والحفاظ عليها مسؤولية الجميع، والقيام عليها جزء من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مضيفا وإذا كانت مسؤولية حراسة القيم والأخلاق وترسيخها في المجتمع مسؤولية عامة فهي لدى المؤسسات الشرعية أولى، ولكن بلا شك هناك صعوبات ومشكلات تواجه تعزيز القيم والاخلاق وبنائها في المجتمع. وعن التحديات التي تواجه القيم والأخلاق قال الشيخ الدويش: من ابرز هذه التحديات وفود قيم وأخلاق جديدة، إما أن تكون مستوردة من ثقافة أخرى أو ناشئة من تغيرات اجتماعية واقتصادية، فقيمة الحرية بالمفهوم الغربي الذي يعني التفلت من الضوابط، ويعني إدراج كثير من المحرمات والممنوعات الشرعية في دائرة الحرية الشخصية، وهذا الغلو المقيت والمبالغة الخاطئة في مفهوم الحرية الشخصية والخصوصية الفردية في مقابل حق الجماعة ودور المجتمع، فباسم هذه الحرية الشخصية والخصوصية الفردية هشوا للمنكرات وارتضوها، ومع الأسف فان الغلو في هذه النظرية انتقل إلى كثير من أبناء المسلمين، فترى من يبتلى ولا يقبل النصيحة، ولا يحب الناصحين بحجة أن هذا تدخل في الخصوصيات، ولكن الشريعة قيدت كثيرا من تصرفات الفرد لمصلحته ولمصلحة المجتمع. وحذر الدويش من التهوين من شأن القيم الشرعية قائلًا: للأسف الشديد هناك قيم كثيرة طالها التشويه والتهوين من منزلتها مثل قيم العفة والحياء، وكذلك سيطرت المادة على الكثيرين وجعلها محور حياتهم، ونبه إلى محاولات إضعاف دور التعليم في تعزيز القيم، وقال إن التعليم يعد من أهم أدوات بناء المجتمع وتشكيل ثقافته، ومن ثم لا بد أن يكون معبرا عن ثقافة الأمة وهويتها، مشيرا إلى أن هناك من يقللون من دور التعليم في ترسيخ القيم وثقافة الأمة وابرز ما في ذلك الدعوة إلى حصر وظيفة التعليم في القيمة المادية في المجتمع، وعقد المقارنات دوما مع المجتمعات الأخرى، والتقليل من شأن التخصصات والعلوم التي لا ترتبط بالقيمة المادية بشكل مباشر. وأشار إلى التغير والتغيير الذي طرأ على المجتمعات الأمر الذي كان له تأثير في التغير القيمي والأخلاقي، مؤكدا أن القيم لها علاقة وثيقة بالمجتمع، لأنها الضابط والمعيار الأساس للسلوك الفردي والاجتماعي، وطالب الدويش بإبراز الجانب الايجابي في القيم الإسلامية وعدم الاكتفاء بنقد الجانب السلبي من واقع المسلمين، وتوظيف الأدوات الإعلامية والقوالب الأدبية في غرس القيم، وإحياء روح المدافعة لدى الأمة وقال: «للأسف سادت روح انهزامية عالية لدى كثير من المسلمين خاصة من الشباب، بل حتى من أصحاب الرأي والفكر في محاولة لتحطيم الروح المعنوية للأمة». مصدر القيم ومن ناحيته أكد الخبير الإعلامي والأكاديمي بقسم الإعلام جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور ياسر الشهري ضرورة الحفاظ على قيم وأخلاقيات المجتمع، وقال «إن المجتمع المسلم له اخلاقه التي تضبط وتحدد السلوك، ولا يمكن تجوز هذه القيم والأخلاقيات أو مصادماتها أو القفز عليها»، مشيرا إلى أن البناء المعياري الذي نبعت منه أخلاقيات المجتمع السعودي هو القرآن والسنة، فهما المصدر الرئيسي للقيم الإسلامية والمؤسسات الاجتماعية والتي تنبثق من أحكام الدين، ومن ثم فان المهمة الأساسية هي تفعيل هذه القيم والأخلاقيات في المجتمع بعيدا عن الازدواجية والتصادم، وأشار إلى الوظائف المهمة للقيم في النظام الاجتماعي ومن أبرزها أنها تحفظ تماسك المجتمع وتحدد له أهداف حياته ومثله العليا ومبادئه الثابتة والمستقرة التي تحفظ له الثبات والتماسك، وتساعد المجتمع على مواجهة التغيرات التي تحدث في، بتحديدها الخيارات الصحيحة والسليمة اللازمة للممارسة حياة اجتماعية سليمة ومتواصلة، وربط أجزاء ثقافة المجتمع مع بعضها البعض، حتى تبدو متناسقة، وانها تقي المجتمع من الأنانية المفرطة والنزعات والأهواء والشهوات الطائشة التي تضر بالمجتمع وأفراده ونظمه. الأخلاق والمؤسسات وطالب «مدير عام فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف بمنطقة عسير» الشيخ عامر بن عبدالمحسن العامر بإنشاء هيئة عليا تعنى بالأخلاق والقيم، تعتمد بشكل أساسي على الشراكة القوية مع المؤسسات التربوية ومع المجتمع، حتى يمكن وقاية الأجيال القادمة، وتحصين الأجيال الحاضرة، مطالبًا بدور اكبر للمؤسسات المجتمعية في تعزيز القيم، كما طالب الشيخ العامر بتعزيز الانتماء الوطني لدى أفراد المجتمع كافة، والتركيز على محاضن التعليم من الروضة إلى الجامعة، واقترح «العامر» تشكيل لجنة عليا سريعة من الداخلية وهيئة كبار العلماء، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووزارات الشؤون الإسلامية والتجارة والثقافة والإعلام لوضع آلية لتدارك الظواهر السلبية في الآداب العامة، كما أشار إلى المراسم الملكية في مجالات الإصلاح في الوزارات والقطاعات كافة، وتفعيل دور المسجد الاجتماعي والتوعوي والإصلاحي ليكون مؤسسة قائمة بأنشطتها وبرامجها، وتكثيف الوسائل الدعوية بطريقة جذابة في جميع مراحل التعليم وشمولها جميع الأحياء والهجر والقرى، والمشاركة الفعالة في المواقع المؤثرة في الشباب والاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعي في شبكة المعلومات وغيرها في نشر القيم والأخلاق، وتسهيل الإجراءات للجهات الإصلاحية فيما يخص الأعمال الدعوية والتوعية، وإنشاء فروع للمؤسسات الأهلية على مستوى الأحياء تعنى بربط شرائح المجتمع مع بعضها كالمتقاعدين والشباب والفتيات والأمهات وتفعيل دورهم. ويرى الخبير التربوي الدكتور حمد بن عبدالعزيز العاصم أن الشباب يفتقد الآن إلى الأنموذج والمثل الذي يتجسد فيه القيم الإيمانية والسلوكية وقيم حب العمل والإنتاج، مضيفا إذا كان كلامنا فقط للشباب عن العمل والصدق والإنتاج والجهد، وهم يرون النماذج عكس ذلك، من تقاعس وحب الذات وضعف في الأداء والاستئثار بكل شيء، فاعتقد أن هذا يسبب إعراض الشباب عن تلقي أي حديث، مضيفا أن الشباب يريد الأنموذج مطبقًا في الواقع حتى دون كلام ولا تكثيف إعلامي، فإذا رأى الشاب الأنموذج أمامه الذي يحافظ على الوقت ويستثمره في الخير، ويلتزم بالقيم والمثل والأخلاق في العمل وأداء دوره الوظيفي وبين جيرانه، فلا شك انه سيكون الأنموذج الذي يحتذي به، أما أن تكون الأقوال شيئًا والأفعال شيئًا آخر فهذا هو البلاء الذي أصيبت به الأمة، وسبب إعراض الكثير من الشباب عمن يتبوأون ناصية الخطاب الاعلامي، فالحديث في واد والتطبيق في واد اخر. وعن الاهتمام بغرس القيم والأخلاق وإنشاء كراسي بحث وعقد ندوات ولقاءات أكد العاصم أن هذه خطوات مهمة، ودليل وعي عام ورؤية للواقع الذي نعيشه ومحاولة تصحيح الأمور، ولكن لا بد من اتباع هذه الخطوات بتطبيقات على ارض الواقع، وفي ظني أن حسن اختيار القيادات التربوية والتعليمية والمجتمعية سيكون الأكثر تأثيرا في المجتمع لأنه يجعل الشباب وهي الفئة الأهم الآن التي تشكل 60% من المجتمع.