كانت تجلس أمامه في القطار فتاتان تقرأ إحداهما إحدى المجلات النسائية، والأخرى تعبث بهاتفها المحمول. استغرب من سرعة الكتابة العالية التي تتمتع بها الأخيرة وتقلب حالها المستمر ما بين فرح وغضب. جعل يتطلع في الفتاة التي تقرأ المجلة وراقه هدوؤها وتصفحها المجلة الذي ذكّره بالزمن القديم. لفته في البداية غلاف المجلة الذي يعرض صورة زفاف فنانة عربية شهيرة. رفعت الفتاة عينيها فجأة عن المجلة ونظرت له. كاد قلبه أن يتوقف عن النبض للحظة ثم انطلق يدق سريعاً. تجمدت ذرات الزمن عنده وهي تنظر له بصمت. شعر مع نظراتها بالنشوة الشديدة واشتغلت مضخات الأدرينالين في جسمه بطريقة غريبة وظلت تضخ لثانيتين بدت أشبه بدهر طويل حتى عادت الفتاة لمطالعة المجلة. ظل يحدق في الفتاة من غير وعي وهو يفكر في السهم الذي أصابه. لم يكن يؤمن بالحب من أول نظرة، لكنه يشعر الآن بشعور فريد لم يشعر بمثله قط. زادت دقات قلبه لتخترق حاجز المائتين، وتسارعت أنفاسه الحارة وهو يحاول بشدة رفع نظراته عن الفتاة لكنه لم يستطِع. بدا وكأنه شبل جريح أصابه سهم مسموم وألقى به في قفص محاجر عينيها. أدرك أن سهم الحب قد أصابه وليس من تِرْياق يشفي من الحب. خالجه شعور مهيب بأن هذه الفتاة ستكون حبه الأول والأخير، وأن القدر قد وضعها أمامه عمداً لسبب غيبي. لم يشعر بالحب قط في حياته، ولم يكن بالشخص اللعوب، ولهذا ظهر أن هذه المشاعر التي شعر بها فجأة هي مشاعر الحب الخالصة. شعر لحظتها بفرح غامر وبكونه أسعد رجال الأرض قاطبة. راح يفكر كالمريض المُخدر كيف يُحدث الفتاة وكيف يكاشفها بحبه الوليد؟ أدرك أن مصارحة الفتاة مباشرة بعشقه اللحظي لن تسعفه وستقذف الرعب في قلبها. كان متأكداً أن الفتاة ستصفه بالجنون، ولهذا جعل يفكر للحظات في الطريقة المناسبة. أراد أن يكون أول حديث مع زوجة المستقبل حديثاً ودياً يبدأه مثلاً بالحديث عن المجلة ثم يسألها عن اسمها ثم ينساب الحوار بنعومة حتى تنتهي رحلة القطار الطويلة. راح يسبح في نهر من السعادة الفائقة وهو يرتب سنين حياته حتى وصل إلى اختيار الحي الذي سيبني منزله فيه وتوقف عند تسمية أطفاله من زوجته المستقبلية. سيسمي الولد «سهم» كناية عما أصابه في لقائهما الأول، وربما سيطلق اسم الفنانة العربية الشهيرة على فتاته الأولى. فكر في إمكانية الحصول على رقم الفنانة العربية ليخبرها بقصة عشقه الفريدة، ولربما ستقيم الأخيرة حفلة عرسه بالمجان. غرق في أفكاره الصاخبة وراح يبتسم معها بفرح كرجل تسعيني بشّروه بطفله الأول. كان واثقاً بفوزه بقلبها، ولهذا زات الثقة في نفسه ومن مستقبل حياته. فتح فمه فجأة وقال لها ببساطة متناهية «أنا قدرك ولن تفري مني. ما هو اسمك يا زوجة المستقبل؟»، ابتسمت له بروعة وردت ببساطة أكبر: «اسأل زوجي إلى جانبك». كان جواب زوجها مقنعاً جداً.. وبقوة.. فكه من أسره وخدره ورمى به إلى سرير مخدراً.