ألّف الفيلسوف البريطاني برتراند راسل (1872 – 1970) كتاباً اسمه (غزو السعادة) يقول فيه: «ليست السعادة، إلا حالات نادرة، شيء يسقط في الفم مثل الثمرة الناضجة، بسبب تدخل الظروف الملائمة البحتة. لذلك دعوت كتابي: غزو السعادة. ذلك بأنه عالم مشحون بالمصائب المحتومة وغير المحتومة، وبالأمراض والتعقيدات السيكولوجية، وبالمنازعات، وبالبؤس، وبسوء الإرادات. ينبغي للرجل -أو المرأة- اللذين ينشدان السعادة، أن يوجدا وسائل لمصارعة أسباب الشقاء العديدة التي يتعرض لها الإنسان». كتاب راسل هذا، مرجع جيد لمعرفة أسباب التعاسة. أما إن كنت تبحث عن السعادة فإنك لن تجدها في هذا الكتاب، ففاقد الشيء لا يعطيه. نعم، لقد قسّم راسل كتابه لقسمين، قسم لأسباب التعاسة، وقسم لأسباب السعادة، إلا أن قسم السعادة أيضاً غرق في وصف الواقع البائس، فعلى سبيل المثال عندما يذكر الأسرة كأحد أسباب السعادة نجده يرجع فيقول «إن الواقع يقول إن العلاقات بين الأهل والأولاد في 99% من حالاتها هي مصدر تعاسة للفريقين». ما سبب هذا الفشل وهذا التعاسة المرّة؟ لا شك أن حياة راسل الممزقة أحد أسباب هذا الشعور العميق بالحزن. بالإضافة إلى الزمن الذي عاش فيه والظروف الاجتماعية والسياسية التي شوهت قلب هذا الإنسان. لذلك نجده يقول: «إن القلب البشري كما شكّلته الحضارة المعاصرة هو قلب أقرب للحقد منه للصداقة». برتراند راسل رجل علم يصف عالمه بموضوعية وصدق، عالم القرن العشرين بكل شقائه وتوتره وقلقه وحربيه الكبيرتين. وعنوان كتابه يشي بموقف لا نتفق معه، فالسعادة لا تُغزى وإنما تُكتشف، والسعادة لا تحتاج لكل هذا العُسر لتحصيلها. لقد رأينا راسل يغرق في تشخيص المشكلة كما رأيناه يقرر للكاتب مصدر عزائه الوحيد الذي لخصه في توسيع نطاق الاهتمام والاشتغال بالعلم، العلم هو ما يبعث فيه الحيوية. وقد أثار راسل في الفصل الأخير من كتابه، فصل (الإنسان السعيد) قضية جديرة بالنقاش، ألا وهي قوله بأن التدين والإيمان لا دخل لهما بالسعادة. واحتج على ذلك بأن الإنسان المتشائم سيتبنّى إيماناً متشائماً، في حين أن الإنسان السعيد سيتبّنى إيماناً متفائلاً. أما بالنسبة لكون الإيمان هو السبب الجوهري للسعادة فهذا ما لا يساورني فيه شك، فالإنسان الكافر سيبقى قلقاً خائفاً على مصيره بعد الموت، حتى وإن قال إن قضاياه محسومة، سيبقى هناك شك يعذب روح السفسطائي. أما بالنسبة لما قاله عن المؤمن المتشائم وشقاء حياته، وإن إيمانه لم يخلصه من التعاسة الدنيوية فهو صحيح، ولذلك يجب على المؤمن أن يغسل روحه من درن التشاؤم، فيكون بذلك قد حاز السعادة الأبدية.