الأفكار البسيطة تعطي النتائج العظيمة، والأسئلة الملهمة تقود في العادة إلى الفتوحات العلمية. اقرؤوا سورة طور والأسئلة العشرة في آخرها حتى تستوعبوا معنى السؤال الفتَّاح والمفتاح للفهم. من هذه الأسئلة العفوية البسيطة لماذا نعرف في المحطة أن القطار قادم؟ وكيف نعرف أنه ودعنا إلى البعيد؟ وسؤال مثل ماذا يحدث لي لو ركبت شعاع القمر كما تمنى آينشتاين ذلك وهو طفل حتى جاءته النسبية كهلا؟ ولماذا يظهر الأفق بحزمة من الألوان حين يجتمع المطر مع أشعة الشمس على شكل قوس قزح؟ ولماذا يتحطم الزجاج إذا مرت طائرة قريبا منه بسرعة تفوق سرعة الصوت؟ وهل للصوت والضوء سرعة محددة؟ أم أنها لاتقاس؟ كما افترض (ديكارت) في مسألة الضوء فقال إن سرعة الضوء لانهائية ولا يمكن قياسها، في حين أن (جاليليو) الإيطالي أخذ تلامذته إلى البرية، وبدأ في قياس سرعة الضوء بالليل من رؤوس الجبال؛ فلم يهتد سبيلا، وكان مثله مثل من يريد قياس عرض الأرض بالشبر والفتر والمتر، حتى وصل لها (لاميتر) من أقمار المشتري، و(فيزو) عن طريق دوران اللولب بأسنان وأثلام من جانبين وتسليط الضوء من طرف! ومثل ماهي ظاهرة الفاتا مورجانا (السراب)؟ ولماذا يخيل للناس في الصحراء القاحلة أن الماء هناك، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا؟ وكيف يطير الذباب والبعوض والسنونو ولا نستطيع الطيران نحن؟ وهل يمكن أن نفهم معنى والطير صافات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله فنطير نحن كما فعل ليلينتال الألماني وفرناس الأندلسي فدقت الأعناق! هذه الأسئلة العفوية البسيطة وأمثالها هي التي تفتح الطريق إلى الكشوفات المذهلة والاختراعات العظيمة. عدد المرات التي قمت فيها بدراسة الشرايين المصابة في قسم الإسعاف كثيرة، أتذكر بعضها، ولكن جهاز (الدوبلر) هو من يسعفنا في تقدير الحالة، وأن نقول بثقة أن الأوعية الدموية سليمة، أو أنها مصابة ويجب إدخال المريض إلى قاعة العمليات.ولكن لمن ندين بهذا الجهاز السحري؟ إنه (كريستيان دوبلر) النمساوي الذي طرح على نفسه سؤال سماع صوت صفير القطار القادم أو الذاهب؛ فقال إنها موجة الصوت إذا اقتربت ارتفعت وانضغطت، والعكس بالعكس حين يولي القطار الأدبار. مبدأ دوبلر انتقل من المحطة إلى قاعات الإسعاف والعمليات والولادات في المشافي؛ فنعرف حركة الجنين، ونبصر قاع المحيط فنرى التيتانيك الغارقة في المحيط منذ عام 1912م، كما نقرأ سيولة الدم في العروق واتجاهها وسرعتها من حركة الكريات الحمر السابحة في لجج الدم القاني.وهكذا فمن أصغر الأفكار تقوم أعظم الإنجازات. «ولايحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم».