أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    كوريا الجنوبية تهزم الكويت بثلاثية    تبرعات السعوديين للحملة السعودية لإغاثة غزة تتجاوز 701 مليون ريال    حسابات منتخب السعودية للوصول إلى كأس العالم 2026    القبض على 3 إثيوبيين في نجران لتهريبهم 29,1 كجم "حشيش"    إجتماع مجلس إدارة اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية    الحقيل يلتقي في معرض سيتي سكيب العالمي 2024 وزيرة الإسكان والتخطيط الحضري البحرينية    «الداخلية» تعلن عن كشف وضبط شبكة إجرامية لتهريب المخدرات إلى المملكة    وزير الإعلام يلتقي في بكين مديرَ مكتب الإعلام بمجلس الدولة الصيني    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى 43736 شهيدًا    مركز الاتصال لشركة نجم الأفضل في تجربة العميل السعودية يستقبل أكثر من 3 مليون اتصال سنوياً    «محمد الحبيب العقارية» تدخل موسوعة غينيس بأكبر صبَّةٍ خرسانيةٍ في العالم    المروعي.. رئيسة للاتحاد الآسيوي لرياضات اليوغا    أمير الرياض يستقبل أمين المنطقة    أمير المدينة يلتقي الأهالي ويتفقد حرس الحدود ويدشن مشروعات طبية بينبع    الذهب يتراجع لأدنى مستوى في شهرين مع قوة الدولار والتركيز على البيانات الأمريكية    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    الأمير عبدالعزيز بن سعود يرأس اجتماع الدورة الخمسين للمجلس الأعلى لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    صندوق الاستثمارات العامة يعلن إتمام بيع 100 مليون سهم في «stc»    «هيئة الإحصاء»: معدل التضخم في السعودية يصل إلى 1.9% في أكتوبر 2024    البلدية والإسكان وسبل يوقعان اتفاقية تقديم العنوان الوطني لتراخيص المنشآت    اختتام مؤتمر شبكة الروابط العائلية للهلال الأحمر بالشرق الأدنى والأوسط    وزير الخارجية يصل لباريس للمشاركة في اجتماع تطوير مشروع العلا    "دار وإعمار" و"NHC" توقعان اتفاقية لتطوير مراكز تجارية في ضاحية خزام لتعزيز جودة الحياة    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    مصرع 12 شخصاً في حادثة مروعة بمصر    رؤساء المجالس التشريعية الخليجية: ندعم سيادة الشعب الفلسطيني على الأراضي المحتلة    «التراث»: تسجيل 198 موقعاً جديداً في السجل الوطني للآثار    قرارات «استثنائية» لقمة غير عادية    رينارد: سنقاتل من أجل المولد.. وغياب الدوسري مؤثر    كيف يدمر التشخيص الطبي في «غوغل» نفسيات المرضى؟    فتاة «X» تهز عروش الديمقراطيين!    رقمنة الثقافة    الوطن    عصابات النسَّابة    «العدل»: رقمنة 200 مليون وثيقة.. وظائف للسعوديين والسعوديات بمشروع «الثروة العقارية»    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    الطائف.. عمارة تقليدية تتجلَّى شكلاً ونوعاً    أفراح النوب والجش    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    استعادة التنوع الأحيائي    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    أجواء شتوية    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    السيادة الرقمية وحجب حسابات التواصل    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    «الشرقية تبدع» و«إثراء» يستطلعان تحديات عصر الرقمنة    الذاكرة.. وحاسة الشم    وزير الداخلية يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    تكريم الفائزين بجائزة الأمير سلطان العالمية للمياه في فيينا    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة لمشاهدة طيور الوطن... في يوم الوطن... من أجل أبناء الوطن (3-3)
د. محمد بن يسلم شبراق
نشر في الجزيرة يوم 11 - 10 - 2012

ما أن تحركت السيارة من وادي عليب إلا وخيم الهدوء بالسيارة فكل واحد من الأولاد انزوى على نفسه وبدأت رؤوسهم تتمايل والعيون تفتح تارة وتغلق تارة، وما أن وصلنا للخط الأسفلتي وبدأت تسير بدون ذلك الارتجاح على الطريق الرملي حتى نام الأولاد، فأثرنا أنا وأبو عمران أن ندعهم يأخذون قسطاً من الراحة، فالمشي بالوادي وارتفاع درجة الحرارة في هذا الوقت من النهار، أفقدتهم نشاطهم المعهود، وأخذ من قواهم.. كما أن مكيف الهواء داخل السيارة لعب دوره ليغطوا في نوم عميق، ذكرني بوصف أصحاب الكهف وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ (18) سورة الكهف.
وصلنا لمحافظة المخواة عند الساعة الواحدة والربع بعد الظهر، وقد حرصت أن نقف بالقرب من مطعم لبيع اللحم المندي بلحم الماعز التهامي ذو الطعم المميز بسبب تغذيته على النباتات الطبيعية، فصلينا الظهر والعصر قصراً وجمعاً، وما أن دخلنا المطعم... حتى بدأ الأولاد في النظر إلى بعضهم وكأننا دخلنا مكاناً غريباً ليس كالمطاعم المعهودة لديهم في جدة فكل مجموعة تجلس على الأرض على فرش بسيط، وقد كنت أخاف أن يكون شكل المكان قد سد جوعهم فلا يأكلون...لكن مندي التيوس التهامية له طعم ثاني، كما أن الجوع والتعب جعل الجميع يأكلون في صمت.
عند الساعة الثانية ظهراً ركبنا السيارة... وما أن دار محركها إنهال علينا الأولاد بالأسئلة.. نحنا وين ...وفين راحين...ويش الطيور اللي حنشوفها؟ وبكل أريحية بدأت أجيبهم على أسئلتهم .....نحن في محافظة المخواة وهي تقع على هضبة لملتقى الأودية المنحدرة من جبال الحجاز وهي حاضرة الحجاز التهامي من ناحية الباحة، وسوف نسلك طريق عقبة الملك فهد في طريقنا لقرية ذي عين التراثية، والتي تبعد حوالي 20كم من المخواة، ولمشاهدة أنواع مميزة من الطيور، فبعضها يعطي دروساً في بالحياة وأخرى تقدم لنا دروساً في التكافل الأسري والاجتماعي، وأخرى تعلمنا الفن بالبناء والإخلاص في العمل. أخذ الأولاد ينظرون إلى بعضهم وكأنهم يقولون...معقول.. كيف يمكن للطيور أن تعطي دروساً في كل ذلك؟ وقبل أن يسأل منهم أجبت على سؤال الاستعجاب في وجوههم... ليش مستغربين!...نعم لقد لعبت الطيور دوراً كبيراً في مسيرة البشرية على الأرض ولازالت، لقد سخر الله أمة الطيور للإنسان لتساعده على العيش على هذه الأرض فمدته بلحومها وبيضها كغذاء، واستمتع بالنظر إلى ريشها وألوانها فألهمت الفنانين والأدباء لتقديم فنون عظيمة أسعدت الإنسانية على مر العصور، كما أرسلها الله له لتعلمه العيش على هذه الأرض وأذكركم بقصة ابني آدم (هابيل الجزيرة قابيل) وكيف أن الله أرسل غراباً ليعلم الإنسان كيف تدفن الموتى... قال الله تعالى:
اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ* فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ سورة المائدة.
هذا كان أول درس للإنسان قدمه الغراب ليعلم الإنسان الطريقة المثلى لدفن الموتى. وإليكم دليل آخر ومن القرآن الكريم والتي تعلم الإنسان التوحيد والشجاعة...ألا وهي قصة الهدهد مع نبي الله سليمان عليه السلام قال الله تعالي:
وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ * أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ « سورة النمل».
وتذكر عدد من الكتب الدينية أن الهدهد يعرف بالموحد وذلك لأنه بعدما رأى عرش ملكة سبأ وما هم فيه من ظلال، وَحْدَ الله رب العرش العظيم، فموضع هذه الآية هو سجدة في القرآن، لذا عرف بالموحد، أما درس الشجاعة فإن الهدهد فور عودته، أخبرته الطيور بعقاب سيدنا سليمان عليه السلام لم يخف بل جلس بالقرب من نبي الله سليمان، وهذا ما ذكرته الآية «فمكث غير بعيدٍ» عن نبي الله سليمان؛ وهذا قمة في الشجاعة، والثقة بالنفس، ودرس يعلمه لنا الهدهد أنك إذا كنت صادقاً ومتقياً ربك لا تخاف في الله لومة لائم. وهناك الكثير من القصص منها قصة الطير الأبابيل التي أرسلها الله للقضاء على جيش أبرهة الأشرم الذي بغى في الأرض وأراد أن يهدم الكعبة المشرفة قال الله تعالى:
ألَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ. أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ. وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ. تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ. فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ «سورة الفيل».
في هذه الآيات عظة وعبرة لبني البشر، يمكن أن نختصرها بالقول أنه مهما كنت كبيراً وقوياً فهناك من هو أكبر وأقوى منك، فقد جاء إبرهة الأشرم بأقوى الحيوانات وهي الفيل والتي لم تعهدها العرب من قبل فسلط الله عليها أضعف الحيوانات وهي الطيور الأبابيل، وهي طيور صغيرة يشير بعض الكتاب أنها طيور السنونو.
وما إن انتهيت من كلامي حتى لاحت لنا قرية ذي عين، وقد جذب منظر القرية الجميع، بالرغم أنني وأبو عمران شاهدناها مراراً لكنا في كل مرة نشعر بجمالها وكأننا لم نرها من قبل، فالمباني الحجرية والتي يصل عمرها إلى أكثر من 400 سنة مبنية على قمة جبل من جرانيتي «الماربل» تطل على مزارع للموز والنخيل والتين البري، مما يجعلك تنجذب للمنظر وتشعر برغبة شديدة للتعرف على هذه المنطقة. لذا ذهبنا مباشرة لمدخل القرية ودفعنا رسم الدخول واتجهنا مباشرة إلى المنطقة الزراعية للتعرف على أنواع الطيور المميزة لهذه البيئة، وما أن توغلنا داخل المنطقة الخضراء، إذا بطائر أبو معول الرمادي يطير فوقنا مصدراً صوته المعروف ويقف غير بعيدٍ منا مما أتاح للجميع رؤيته، وقلت لهم «إن سلوك هذا الطائر خلال موسم التكاثر يعطي لنا درساً في التكافل داخل الأسرة الواحدة»، فنظر إلي الجميع وعيونهم تقول كيف ذلك.
إن طائر أبو معول يقوم بوضع عشه داخل شقوق الأشجار فتقوم الأنثى بدخول العش ويقوم الذكر بسد الفتحة ليبقي فتحة بسيطة يخرج أو يدخل فيه منقاره عند تقديمه للطعام للأنثى، والتي تبقى داخل التجويف لوضع البيض وحضانة البيض وتغذية الصغار تصل من 3-4 أشهر وتخرج بعدها من العش وقد فقدت معظم ريشها فلا تقوى على الطيران لتبقى بالقرب من العش لكن الذكر (الزوج) يستمر بتغذيتها كذلك تغذية الفراخ بدون كللٍ ولا ملل، حتى يكتمل ريشها، والتكافل العائلي ليس فقط في تغذية الأب للأنثى لكن أيضاً تقوم الفراخ الكبيرة والتي فقست أولاً بالمساعدة بتغذية اخوانها بالعش فتأخذ الأكل من الأب وتعطيه لأخوانها بالعش, كما تقوم بتنظيف العش من بقايا البراز والأوساخ، بالتقاطها بمناقيرها ورميها لخارج العش. أليس في هذا السلوك من التعاون والتكافل بين العائلة الواحدة؟...يا سبحان الله
توغلنا داخل المزرعة بين ممرات الري التي تسقي المزرعة، وأصوات الطيور تتردد في أصداء المكان، وما أن وقفنا بالقرب من أحد أشجار التين البري إلا وصوت طائر الثرثار العربي (يعرف محلياً بالشول) صدح بنغمات تحذيرية ،وعلى الفور طلبت من الجميع التوقف وعدم الحركة والنظر إلى أعلى شجرة التين ليرى الجميع طائر الشول يقف فوق الشجرة.. وقلت لهم إذا كان أبو معول أعطى درساً في التكافل الأسري، هذا الطائر يعطينا درساً بالتكافل على مستوى المجتمع، فالثرثار العربي من الطيور التي يقتصر وجوده على الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق وسلوكيا يعرف أنه من الطيور الاجتماعية فهو يعيش في مجموعات يصل عددها أحياناً إلى أكثر من 20 فرداً، وتقوم المجموعة بالتعاون في البحث عن الغذاء والحراسة والدفاع عن المجموعة، وهذا الذي على الشجرة يقوم بالحراسة ومراقبة المكان من فوق الشجرة أما باقي الفريق فيقوم بالتغذية بالأرض وحال سماع الأصوات التحذيرية كالتي سمعناها قبل قليل يقوم جميع أفراد المجموعة بالاختباء، ولو نظرتم على أرضية المنطقة حول هذا المراقب لرأيتم أفراد المجموعة من الشول تتغذى وكأن المنطقة كلها لها لكن مع أول صوت تحذيري من المراقب تقوم بالإختباء بين أغصان الأشجار، ويتعاون الجميع بالمراقبة كلٍ له دوره...
فما أن تنتهي دوريته بالحراسة إلا ويصدر صوتاً مميزاً لينزل للأرض ويصعد من عليه الدور للمراقبة بدون تأخير، ولا يتوقف تعاونها خلال على المراقبة خلال فترة التغذية لكنها تتعاون حتى في بناء العش فتبني عشاً واحداً تضع الأنثى السائدة البيض ويقوم الجميع بالمساعدة في حضانة البيض ورعاية الصغار وتغذيتها. فسبحان الله.
وبينما نحن كذلك جاء صوت ولدي سلطان يسأل عن الطائر الشبيه بالحمامة والواقف بالقرب من المراقب من طيور الشول، فجاءه الجواب من أبو عمران إنها الحمامة الخضراء الجميلة الشكل والتي تنتشر في مثل هذه البيئات الشجرية بالجنوب الغربي من المملكة...أتعلمون يا أولاد أن هذا النوع من الحمام وهو الوحيد من بين أنواع الحمام بالمنطقة التي تقوم بالتغذية من الأشجار أما الأنواع الأخرى فهي تحصل على غذائها من الأرض. ومن الطيور الأخرى التي شاهدناها أيضاً البلبل أصفر العجز ونوعين من اليمام، بالإضافة لطائر الحباك والذي أطلق عليه ابن أخي صهيب بالمهندس الاتحادي وذلك للون ريشه الأصفر والأسود وبراعته في بناء أعشاشه المعلقة على الشجر والتي هي بحق هندسة معمارية غاية بالروعة.
بعدها توجهنا للسيارة للتحرك إلى مدينة الباحة المحطة الأخيرة من رحلتنا لمشاهدة طيور الوطن، وما بدأنا نأخذ أماكننا بالسيارة حتى صاح فارس مشيراً إلى السماء هل هذه هي النسور يا أبي؟... ولماذا لا تحرك أجنحتها فهي تطير وكأنها طائرة شراعية، فأجبته نعم هذا النسر الأسمر وهو من الطيور المعششة في المنحدرات الجبلية بالمنطقة الجنوبية الغربية، وسوف أخبركم عن النسور إذا أتيحت لنا الفرصة في رحلة أخرى للوطن، أما طيرانها فسوف أحدثكم عنه بالطريق للباحة.
وما أن بدأت السيارة بالتحرك حتى نظر الجميع إلي للحديث عن كيفية حركة الطيور خلال طيرانها؟ . أتعلمون أن الله سبحانه وتعالى ذكر طريقة طيران الطيور في كتابه الكريم، وذلك لبيان قدرته وعظمته عز في علاه فيقول: أوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ . سورة الملك
ويذكر ابن كثير في تفسيره لهذه الآية أن الطيور تَارَة يَصْفُفْنَ بأَجْنِحَتهنَّ فِي الْهَوَاء وَتَارَة تَجْمَع جَنَاحًا وَتَنْشُر جَنَاحًا «مَا يُمْسِكهُنَّ» أَيْ فِي الْجَوّ «إِلَّا الرَّحْمَن» أَيْ بِمَا سَخَّرَ لَهُنَّ الله مِنْ الْهَوَاء ومِنْ رَحْمَته وَلُطْفه «إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْء بَصِير» أَيْ بِمَا يُصْلِح كُلّ شَيْء مِنْ مَخْلُوقَاته.
هذه الآيات تشرح سلوكيات الطيور عند الطيران، فالطيور إما تطير بطريقة الرفرفة (تحريك الأجنحة) أو التحليق (مد الأجنحة بدون تحريكها)، ويلعب حجم الطائر في طريقة طيرانه، فالطيور الصغيرة تستخدم الطريقة الأولى (الرفرفة) كطيور الدخل والطيور الخواضة، بينما الطيور الكبيرة والعريضة الأجنحة كالطيور الجوارح كالنسر الأسمر الذي أشار إليه فارس فإنها تستخدم طريقة التحليق خلال طيرانها. وقد لاحظ العلماء أن الطيور التي تستخدم الرفرفة تستطيع الطيران بشكل متواصل لمسافات طويلة كما أنه تستطيع الطيران فوق المياه والتي تفتقر لتيارات الحمل التي تساعدها على الإرتفاع، وهذا يجعلها تقطع مسافات كبيرة فوق البحار والمحيطات.
أما الطيور المحلقة فهي التي تعتمد على تيارات الحمل (الهواء الساخن) لرفعها عالياً بدون تحريك أجنحتها، وهذا ما نشاهده في الطيور الكبيرة فهي لا تستطيع الرفرفة لفترة طويلة لكبر حجمها، لذا فهي تعتمد على هذه التيارات الهوائية. أما بالقرب من الجبال، فتستفيد من إرتفاع الهواء نتيجة إصطدم الهواء بالجبال فيرتفع إلى أعلى، والحقيقة إن طريقة طيران هذه الطيور ساعدت الإنسان في خوض تجربة الطيران الشراعي والتي تعمل بنفس طريقة حركة هذه الطيور المحلقة.
وصلنا للباحة العاصمة الإدارية لمنطقة الباحة والتي تقع في جبال الحجاز، سميت قبل الحكم السعودي بحديقة الحجاز كما سميت بضيعة مكة، وتأسست إمارة منطقة الباحة كمنطقة إدارية في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز، وكانت الإمارة قبل ذلك تابعة إلى الظفير وتسمى إمارة الظفير منذ وقت الملك عبد العزيز رحمه الله حتى طلب أهل الظفير نقل مقر الإمارة منها وتم نقلها إلى بلجرشي، ثم فوض الملك فيصل بن عبد العزيز - الأمير سعود بن عبد الرحمن بن تركي السديري بعد تعيينه أميراً لبلجرشي، اختيار مقر مناسب لتأسيس إمارة منطقة جديدة واختار الباحة التي تقع بالمنتصف بين قبيلتي غامد وزهران. ما أن تعدينا نقطة التفتيش الواقع بنهاية عقبة الملك فهد، حتى أوقفنا السيارة عند أول موقف جانبي للبحث عن طيور بين اشجار العرعر والسنط، وهي تمثل بيئة جيدة لعدد من الطيور المتوطنة ومن أهمهما العقق العسيري وهو الطائر الوحيد المتوطن فقط بالمملكة العربية السعودية، والغريب وبالرغم أن البيئة مناسبة له باليمن على امتداد جبال السروات إلا أنه لم يسجل في اليمن بخلاف طيور متوطنة أخرى كالحسون اليمني، والسمنة اليمنية، وشمعي المنقار، مما يجعله النوع الوحيد المتوطن بالمملكة وعلينا حق حمايته حيث تشير دراسات للهيئة السعودية للحياة الفطرية بتناقص عدده خلال العقدين الماضيين.
خرجنا من السيارة سريعاً للنظر إلى الطيور بالمزرعة المهجورة ذات الغطاء النباتي الكثيف، والحمد لله كان هناك مجموعة من الحسون اليمني، بالإضافة لشمعي المنقار، ولكن لم نشاهد العقق العسيري، ولقرب المزرعة من المنازل وخوفاً من الإحراج قررنا التحرك ومغادرة المنقطة، كما أن الساعة تعدت الخامسة مساءً، وطريق العودة أمامنا طويل لنصل إلى جدة. لم يكن الأولاد يرغبون مغادرة الباحة فالجو جميل وطلبوا البقاء لليوم التالي لمشاهدة طيور بالمنطقة - طبعاً يريدون إطالة الإجازة لليوم الوطني حتى يرتاحوا من المدرسة، بالنسبة لنا أنا وأبو عمران كنا نتمنى أن نصل للطائف قبل غروب الشمس لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، وهذا لا يعني أن الرحلة لم تكن موفقة... بل على العكس فقد حققت جميع أهدافها... فهاهم الأولاد يتحدثون عن الطيور وما شاهدوه من أنواع خلال الرحلة، بالرغم أن أعداد الطيور المشاهدة لم تكن كثيرة فقد حصرنا أكثر من 83 نوعاً فقط خلال هذه الرحلة وهذا ليس بالكافي للتعرف على طيور الوطن، والتي يصل عددها إلى أكثر من 530 نوعاً تقريباً، ناهيك عن المناظر الجميلة التي حبا الله بها هذه الأرض الطيبة، مما جعلنا نفكر بشكل جدي لتكرار التجربة في الأيام القادمة لمشاهدة طيور الوطن... في مناطق أخرى من أرض الوطن... من أجل أبناء الوطن.
- وكيل عمادة البحث العلمي بجامعة الطائف، مستشار غير متفرّغ بالهيئة السعودية للحياة الفطرية، عضو جمعية البيرد لايف إنترناشيونال، عضو اتحاد الطيور العالمي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.