أصبح هوس الاعتماد على المطاعم لدينا لافتاً لا يكاد يصدق، وأضحى الناس يتباهون بأكلات المطاعم ما بين الإيطالي والياباني والهندي وغيرها من المطاعم، حتى تتوقف عند المطاعم (الشعبية) ذات الشعبية الجارفة إذ أصبح كثير من الناس يعرفون كل مطعم وما أفضل الوجبات الشعبية التي يقدمها لزبائنه، وللتذكير فإن مُعدي أغلب تلك الأطعمة هم من جنسيات أخرى أكثرها لا تتكلم العربية، ولا تعلم عن تلك الأكلات شيئاً حتى وصلت إلى المملكة فتدربت على بطوننا حتى أصبحوا مهرة وأتقنوا فنون طبخها. لم يعد للأكلات الشعبية ذلك المذاق القديم الذي تتفنن فيه ربة البيت، وسابقاً كنا نسمع أم فلان (ماشاء الله عليها إذا طبخت الجريش أو القرصان) ما أحد ينافسها، والأخرى مشهورة بالحنيني وثالثة بالرز، وقس على ذلك، لا أود أن تعود الفتيات والأمهات إلى الطبخ اليومي لهذه الوجبات كما كان سابقاً، ولكن نحتاج إلى من يطبخ في منزله وجبات تغذي أبناءه وتزيد من قوتهم العقلية والجسمانية، وجبات ذات عناصر غذائية مفيدة. لقد أصبح أبناؤنا يعتمدون - إلا من رحم الله - على المطاعم الخارجية أكثر من المنزل، وعلى الوجبات السريعة التي أرهقت أجسامهم وسببت لهم سمنة وأمراضاً طالما حذر المختصون بالتغذية من خطورتها ووضعهم، ولكن يا للأسف الشديد المطاعم في تزايد، والإقبال أعظم.. قبل مدة ذهبت مع العائلة إلى أحد المطاعم وجلسنا في الانتظار أكثر من ساعة ونصف ! لم أصدق الوضع ولم يخطر ببالي أنني سأنتظر كل هذا الوقت لأتناول وجبة عشاء، توقعت أن المكان من الداخل قد يكون صغيراً ولكن بعد الدخول تفاجأت بكبره ووجدت أن جميع الأماكن محجوزة، والانتظار في الخارج لا يزال ! تلك الحادثة من المؤكد أنكم مررتم بها أو سمعتموها كثيراً، ولكن لماذا وصلنا إلى هذه الدرجة من الاتكالية، حتى في أكلنا ؟ لماذا نتعلم ونقرأ عن مشكلات الأكل ومن ثم لا نطبق شيئا منها ؟ مشاكل صحية متعددة ومتنوعة: سمنة، سكري، قلب ، وغيرها ومع ذلك تدق أجراس الإسراف في الأكل صحياً، ولا نستجيب وكأننا لا نسمع. مؤخراً نُشرت دراسة علمية استرالية ربطت بين الإفراط في تناول الوجبات السريعة المشبعة بالدهون والسكريات وانخفاض معدلات ومستوى الذكاء بشكل عام عند الأطفال وصغار السن من المراهقين بعد الاعتماد على اختبارات وتقويمات إدراكية وتفكيرية شملت شريحة كبيرة من هذه الفئات العمرية المقسمة إلى مجموعات بحسب أنماطها الغذائية العامة. تلك الدراسات، مؤشرات حقيقية لمشكلات مستقبلية يجب أن ننتبه لها ونحذر منها، أما أن يظل الوضع كما هو عليه، فالعالم سيمضي ويصحح ونحن لا نزال في مكاننا، تلك همسات من أعماق القلب من أجل أبنائنا، فمتى سنتعلم ونطبق!