كل عام ومع أول أيام عيد الفطر يحتدم الصراع بين الأكلات الشعبية والحلوى، وفي الوقت الذي يرى فيه الكثيرون أن حلوى العيد أصبحت هي سيدة المواقف خلال الأعياد، ومن الأشياء المرتبطة بالعيد ارتباطا وثيقا، مازال الكثيرون يتمسكون بالأكلات الشعبية ويجعلون لها الصدارة على موائد العيد. ويعتبر خالد جمعان الزهراني أن وجبات العيد الشعبية مطلب أساسي للأعياد سواء في شمال المملكة أو جنوبها، ووصفها بأنها "حلاوة العيد". ويضيف أن هناك تباينا بين أهالي المنطقة الجنوبية على وجه الخصوص في شكل الاحتفال بعيد الفطر المبارك من نواحٍ متعددة، ولكن القاسم المشترك محافظة أهاليها على عادات الاحتفال التقليدية المتعارف عليها منذ أجيال بعيدة. ومن بين هذه العادات تصدر الوجبات الشعبية موائد الأعياد. وأبان سعيد عبد الرزاق (معلم) أن للعيد فرحة خاصة يتمتع بها جميع أهالي منطقة الباحة سواء المواطنون أو المقيمون، وقال " نتجه لأداء صلاة العيد في الفجر الباكر ثم نتوجه إلى منازلنا للسلام على الأهل، ومن ثم زيارة الجيران والأقارب، وتتخلل هذه الزيارات تقديم أطباق متنوعة من المأكولات الشعبية التي توارثتها الأجيال من الماضي إلى الحاضر، ومن هذه المأكولات الشعبية الخبزة " المقناه" ويشير عبدالله صالح إلى أن أيام العيد تعتبر من أجمل الأيام في حياته لما لها من ذكريات جميلة، كونها تحمل براءة الطفولة، أيضاً موضحاً أنه كان يذهب مع والده في الصباح لأداء صلاة العيد ثم يتجهان لمعايدة الأقارب والأصدقاء ولا يعودان إلى المنزل إلا وتكون والدته قد جهزت الأكلات الشعبية مثل المقناه أو الدغابيس التي لا تزال موجودة على مائدة الاحتفال بالعيد حتى وقتنا الحاضر، وغيرها من الأكلات مؤكداً أن الوجبات الشعبية علامة بارزة في الاحتفال بالعيد. وعن الفرق بين الإقبال على طبخ هذه الأكلات قديما واليوم يقول العم على عبدالله الزهراني "يوجد فرق كبير، فالأكلات القديمة لا أحد يستطيع أن يستغني عنها بالرغم من انتشار الأكلات الحديثة بدليل أن هناك مطاعم متخصصة في طبخ الأكلات القديمة التي يقبل عليها كبار السن دائماً". من جهتها أكدت عطية علي ( 73عاماً) أن أحفادها لا يقبلون غالباً على طلب هذه الأكلات منها، لأنهم يعتبرونها "دقّة قديمة"، ونادراً ما يشتهيها أحدهم"، مشيرةً إلى أنها تقتصر في طهيها لهذه الأكلات على المناسبات فحسب، وأعربت عن أسفها لعدم حرص الفتيات على تعلم هذه الطبخات التي فيها فائدة حقيقية، عكس المعجنات التي تستسهلها الكثيرات منهن. وعن مدى إمكانية اختفاء هذه الأكلات تدريجيا أجابة "هذا ما أخشاه، لكن علينا أن نبذل قصارى جهدنا كي تبقى بيوتنا عامرةً بروائح هذه الأكلات الشعبية، لأنها أحد المظاهر الأساسية للتراث". في المقابل يقول محمد سعيد كانت الأكلات الشعبية هي التي تمثل الموائد في مناسبات العيد، حيث تتنافس ربات البيوت على إعدادها، أما الآن فلا يخلو بيت في يوم العيد من أنواع الحلويات، وكذلك أنواع المكسرات والتي أصبحت من الأمور الأساسية في نهار العيد. ويرى غرم الله الغامدي أن الزمن تغير وتغيرت كذلك الأطعمة، ففي الماضي كان الناس يقدمون في الأعياد ما تيسر من المأكولات الشعبية، ولكن في الوقت الحالي كل بيت والحمد لله ما يخلو من توفير كافة المأكولات، وأصبح العيد له ميزانية معينة، فالناس تقدم الحلوى وكذلك المكسرات للضيوف والزائرين. ويشير أحمد علي الزهراني إلى أن العيد أصبح لا يحلو إلا إذا كانت الحلوى متواجدة في ذلك اليوم، ويشاركه الرأي فهد الغامدي ويقول إنه يحرص على أن يشتري الحلوى خصوصا في العيد لتكون أول ما يقدم للمهنئين في يوم العيد، فالحلوى تعتبر ميزة في هذا اليوم وسمة من سماته. صاحب أحد المحلات علي يمني قال "هناك العديد من الحلويات التي نوفرها في مثل هذه المناسبة، وتصل إلى 24 نوعاً تقريباً، بينما يفضل الناس الحلويات المكونة من " البرفيات والحليبيات وحلويات الهريس الحمراء، وحلويات جوز الهند والكاكاو، والقطع الصغيرة "المونتال" والتي تناسب الأطفال . وقالت أم محمد إن النساء في المنطقة اعتدن تقديم الأكالات الشعبية طوال الأيام الثلاثة الأولى من العيد، مشيرة إلى وجود أكلات شعبية أخرى تقدم في العيد المثرية والدغابيس وغيرها. وأوضحت أن "خبزة المقناه " خُبزة المله " من أبرز المأكولات الشعبية المقدمة في العيد، وكلاهما يعطي المذاق المختلف، وتعد أكلة الدغابيس من الأكلات اللذيذة التي تشتهر بها منطقة الباحة، وهي عبارة عن عجينة من دقيق البر تقطع بحجم قبضة اليد أو أكبر، وتشكل على أشكال دائرية، ثم توضع في القدر المملوء باللحم والمرق، ويصنع منها أحجام كبيرة في مناسبات الزواج مبالغة في إكرام الضيوف". وأوضح الباحث والمؤرخ قينان الزهراني أن السنوات الأخيرة شهدت عودة قوية للعادات والتقاليد القديمة في كافة جوانب الحياة، والعيد على وجه الخصوص، حيث بدأ الأهالي يتسابقون في تقديم الأكلات الشعبية بمختلف أنواعها. وأكد الطبيب العام بالإسعاف الجوى السعودي الدكتور سامي حمدان الزهراني أن أغلب الأكلات الشعبية متوازنة غذائياً، وتساهم في تعزيز الصحة إذا تم تناولها بكميات متوازنة، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن لا أحد يستطيع أن يستغني عن الحلويات والسكريات، وخصوصاً فترة العيد، ولكن الملاحظ في هذه الأيام زيادة الوعي عند المجتمع بأضرار الحلويات والسكريات، فالبعض امتنع عنها والكثير بحثوا عن البديل الأكثر صحة منها مثل الأكلات الشعبية". وأضاف أن "على الأطباء دور كبير في هذه التوعية التي كان لها التأثير الإيجابي الكبير على المجتمع، فأغلب الناس اليوم يختارون الغذاء الصحي تجنباً للأمراض المزمنة، والكثير منهم اتجه إلى الأكلات الشعبية المتوازنة غذائياً كنوع من السلوك الغذائي الصحي، فمعظم الأكلات الشعبية تحتوي على زيوت طبيعية وبروتينات و معادن وفيتامينات تحقق توازناً صحياً للجسم. وكشف الزهراني أن معظم الحلويات المتواجدة الآن في الأسواق كوارث غذائية، فهي تخل بشكل كبير في النظام الغذائي للكبار والصغار على وجه الخصوص، فأغلبها تحتوي على مواد اصطناعية ومواد حافظة ومواد ملونة يعد تناولها خطراً على الصحة، فمن أضرار الحلويات و السكريات المعروفة طبياً زيادة الوزن، التي تؤدي إلى الإصابة بمرض السكري، والإكثار منها عند المصابين بمرض السكري يؤدي إلى الإصابة بحموضة الدم.